عُجْ بالحِمَى حيثُ الغِيَاضُ الغِينُ - الحداد القيسي

عُجْ بالحِمَى حيثُ الغِيَاضُ الغِينُ
فعَسَى تَعِنُّ لنا مَهَاهُ العِينُ

وکسْتَقْبِلَنْ أَرَجَ النسيمِ فَدَارُهُمْ
ندية الأرجاء لا دارينُ

وکسلُكْ على آثارِ يومِ رِهَانِهِمْ
فهناك تُغْلَقُ للقلوبِ رُهُونُ

حيثُ القِبَابُ الحُمْرُ سامِيَة ُ الذُّرَى
والأعوجيات الجياد صفونُ

والسمهرية كالنهود نواهد
والمَشْرَفِيَّة ُ في الجُفُونِ جُفُونُ

أُفُقٌ إذا ما رُمْتَ لَحْظَ شَمُوسِهِ
صدتك للنقع المثار دجونُ

يَغْشَاكَ من دُونِ الغَزَالِ ضُبَارِمٌ
فيه ومِنْ قَبْلِ الكِنَاسِ عَرِينُ

انى أراع لهم وبين جوانحي
شوق يهون خطبهم فيهونُ؟

أَنَّى يَهَابُ ضِرَابَهُمْ وَطِعَانَهُمْ
صب بألحاظ العيون طعينُ

فكأنما بيض الصفاح جداولُ
وكأنَّما سُمْرُ الرِّماحِ غُصُونُ

ذرني أسر بين الأسنة والظبى
فالقلبُ في تلك القِبَابِ رَهِينُ

فَلَعَلَّهُ يُرْوِي صَدَايَ بِلَمْحِهِ
وَجْهٌ به ماءُ الجمالِ مَعِينُ

وَلَعِي بذاتِ القُلْبِ أَفْقَدَ أَضْلُعِي
قَلْباً عَليه ما يَرِيمُ يَرِينُ

وإذا دعا بطول بقائهِ
خَرَقَتْ له سَمْعَ السَمَا آمِينُ

ملك القلوب بسيرة عمرية
يحيا بها المفروض والمسنونُ

لا تألف الأحكام حيفا عنده
فكأنما الأفعال والتنة ينُ

لَوْ كانَ أَدْنَى بِشْرِهِ وَذَكَائِهِ
للنَّصْلِ ما شَحَذَتْ ظُبَاهُ قُيُونُ

لو كان لج البحر مثل نوالهِ
عمر الربى مسجور المشحونُ

وَبَدَا هِلالُ الأُفْقِ أَحْنَى ناسِخاً
عهد الصيام كأنه العرجونُ

فكان بين الصوم خطط نحوه
خطا خفيا بان منه النونُ

تلهو وأحزن مثلم حكم الهوى
لا يَسْتَوِي المسرورُ والمَحْزُونُ

وتذللي لم يجد غير تذللٍ والحسن عز للحسان مكينُ
لا غَرْوَ أنْ أَصِلَ الغَرَامَ بِمُعْرِضٍ

غير المحب بما يدان يدينُ
يا ربة القرط المعير خفوقهُ

قَلْبِي، أمَا لِحِرَاكِهِ تَسْكِينُ؟
تَوْرِيدُ خَدِّكِ للصَّبَابَة ِ مَوْرِدٌ

فإذا رَمَقْتِ فَوَحْيُ حُبِّكِ مُنْزَلٌ
وإذا نطقت فإنه تلقينُ

لولاك ما أودى الجوى بتجلدي
وكفاك أنك لي منى ومنونُ

أنتِ الهَوَى ، لكنَّ سُلْوَانَ الهَوَى
قصر ابن معن والحديث شجونُ

فالحسن أجمع ما يريك عيانهُ
لا ما أرته سوالف وعيونُ

والروض ما اشتملت عليه شمولهُ
لا ما حوته أبلطح وحزونُ

قد عَطَّلَ الأزهارَ زاهِرُ حُسْنِهِ
لا الورد ماتفت ولا النسرينُ

فکجْعَلْ جُفُونَكَ تَجْنِ منه فُتُورَهُ
نَوْرُ الخُدُودِ له الأَكُفُّ جُفُونُ

فنجومه زهر ثوابت لم يرم
تعديلها زيج ولا قانونُ

والمجلسان النيران تآلفا
هذا لهذا في البهاء قرينُ

كالمقلتين أو اليدين تأيدا
والحسن يعضد أمره التحسينُ

عُطِفَتْ حَنَايَاهُ وَضُمِّنَ بَعْضُها
بَعْضاً، وسِحْرٌ ذلك التَّضْمِينُ

كتقاطع الأفلاك إلا أنه
متباينان: تحرك وسكونُ

فلكية لو أنهل حركية
لاعتدَّ منها الرأسُ والتِّنِّيْنُ

تتعاقب الأعصار فيه وجوهُ
أبدا به آذار أو تشرينُ

وكأن هرمس بث حكمته به
وأدار فيه الفكر أفلاطونُ

وكأن راسم خطه إقليدسٌ
فَمَوَاثِلُ الأَشْكَالِ فيه فُنُونُ

من دائر ومكعب ومعينٍ
وَمُحَجَّنٍ تَقْوِيسُهُ التَّحجِينُ

شَمَخَتْ فلا تُحْنَى سَوَارِيها لها
كلا ولا ترمى بها فتبينُ

تربيع والتسديس والتثمينُ
نسب حلت نسب الغناء لبعثها

طرت النفوس وسمعها تعيينُ
وكأنَّ طَرْفِي مِسْمَعِي، وكأنَّه

صَوْتٌ وشَكْلُ خُطُوطِهِ تَلحينُ
وكأن مبيض الخدود وضاءة

صَحْنٌ له، لا المَرْمَرُ المَسْنُونُ
تغشى بمذهب لمعه فكأنما

أبدى لديه كنوزه قارونُ
هوثالث القمرين في ضوءيهما

فيه تُضِيءُ لنا اللّيالي الجُونُ
لو ابصرته الفرس قدس نورهُ

كِسْرَى وأَخْبَتْ نارَها شِيرِينُ
أبدى السجود إليه قسطنطينُ

رأس بظهر النون إلا أنه
سام فقبته بحيث النونُ

في رأسِهِ سَبَقَ النَّعامَ سماؤه
مِنْ دونه دَمْعُ الغَمَامِ هَتُونُ

قَصْرٌ تَبَيَّنَتِ القُصُورُ قُصُورَها
عنه، وَفَضْلُ الأفضلين يَبِينُ

النقل شك والعيان يقينُ
هو جَنَّة ُ الدُّنْيا تَبَوَّأَ نُزْلَها

مَلِكٌ تَمَلَّكَهُ التُّقَى والدِّينُ
فكأنما الرحمن عجلها له

لِيَرَى بما قد كان ما سيكونُ
وكأنَّ بانِيَهُ سِنِمَّارٌ، فما

يَعْدُوهُ تَحْسِينٌ ولا تَحْصِينُ
وَجَزَاؤهُ فيه نَقِيضُ جَزَائِهِ

شتان ما الإحياء والتحيينُ
عَفٌّ فلا مالٌ يُباحُ ولا دَمٌ

بل آمنانِ: ذَخيرة ٌ وَوَتِينُ
© 2024 - موقع الشعر