بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ اِرتِحالا - أبو الطيب المتنبي

بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ اِرتِحالا "
" وَحُسنَ الصَبرِ زَمّوا لا الجِمالا

تَوَلَّوا بَغتَةً فَكَأَنَّ بَينًا "
" تَهَيَّبَني فَفاجَأَني اغتِيالا

فَكانَ مَسيرُ عيسِهِمِ ذَميلاً "
" وَسَيرُ الدَمعِ إِثرَهُمُ انهِمالا

كَأَنَّ العيسَ كانَت فَوقَ جَفني "
" مُناخاةٍ فَلَمّا ثُرنَ سالا

وَحَجَّبَتِ النَوى الظَبياتِ عَنّي "
" فَساعَدَتِ البَراقِعَ وَالحِجالا

لَبِسنَ الوَشيَ لا مُتَجَمِّلاتٍ "
" وَلَكِن كَي يَصُنَّ بِهِ الجَمالا

وَضَفَّرنَ الغَدائِرَ لا لِحُسنٍ "
" وَلَكِن خِفنَ في الشَعَرِ الضَلالا

بِجِسمي مَن بَرَتهُ فَلَو أَصارَتْ "
" وِشاحي ثَقبَ لُؤلُؤَةٍ لَجالا

وَلَولا أَنَّني في غَيرِ نَومٍ "
" لَكُنتُ أَظُنُّني مِنّي خَيالا

بَدَت قَمَرًا وَمالَتْ خُوطَ بانٍ "
" وَفاحَت عَنبَرًا وَرَنَت غَزالا

كَأَنَّ الحُزنَ مَشغوفٌ بِقَلبي "
" فَساعَةَ هَجرِها يَجِدُ الوِصالا

كَذا الدُنيا عَلى مَن كانَ قَبلي "
" صُروفٌ لَم يُدِمنَ عَلَيهِ حالا

أَشَدُّ الغَمِّ عِندي في سُرورٍ "
" تَيَقَّنَ عَنهُ صاحِبُهُ انتِقالا

أَلِفتُ تَرَحُّلي وَجَعَلتُ أَرضي "
" قُتودي وَالغُرَيرِيَّ الجُلالا

فَما حاوَلتُ في أَرضٍ مُقامًا "
" وَلا أَزمَعتُ عَن أَرضٍ زَوالا

عَلى قَلَقٍ كَأَنَّ الريحَ تَحتي "
" أُوَجِّهُها جَنوبًا أَو شَمالا

إِلى البَدرِ بنِ عَمّارِ الَّذي لَم "
" يَكُن في غُرَّةِ الشَهرِ الهِلالا

وَلَم يَعظُم لِنَقصٍ كانَ فيهِ "
" وَلَم يَزَلِ الأَميرَ وَلَن يَزالا

بِلا مِثلٍ وَإِن أَبصَرتَ فيهِ "
" لِكُلِّ مُغَيَّبٍ حَسَنٍ مِثالا

حُسامٌ لاِبنِ رائِقٍ المُرَجّى "
" حُسامِ المُتَّقي أَيّامَ صالا

سِنانٌ في قَناةِ بَني مَعَدٍّ "
" بَني أَسَدٍ إِذا دَعوا النِّزالا

أَعَزُّ مُغالِبٍ كَفًّا وَسَيفًا "
" وَمَقدِرَةً وَمَحمِيَةً وَآلا

وَأَشرَفُ فاخِرٍ نَفسًا وَقَومًا "
" وَأَكرَمُ مُنتَمٍ عَمّا وَخالا

يَكونُ أَحَقُّ إِثناءٍ عَلَيهِ "
" عَلى الدُنيا وَأَهليها مُحالا

وَيَبقى ضِعفُ ما قَد قيلَ فيهِ "
" إِذا لَم يَتَّرِك أَحَدٌ مَقالا

فَيا ابنَ الطاعِنينَ بِكُلِّ لَدنٍ "
" مَواضِعَ يَشتَكي البَطَلُ السُعالا

وَيا اِبنَ الضارِبينَ بِكُلِّ عَضبٍ "
" مِنَ العَرَبِ الأَسافِلَ وَالقِلالا

أَرى المُتَشاعِرينَ غَرُوا بِذَمّي "
" وَمَن ذا يَحمَدُ الداءَ العُضالا

وَمَن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ "
" يَجِد مُرًّا بِهِ الماءَ الزُلالا

وَقالوا هَل يُبَلِّغُكَ الثُرَيّا "
" فَقُلتُ نَعَم إِذا شِئتُ استِفالا

هُوَ المُفني المَذاكي وَالأَعادي "
" وَبيضَ الهِندِ وَالسُمرِ الطِوالا

وَقائِدُها مُسَوَّمَةً خِفافًا "
" عَلى حَيٍّ تُصَبِّحُهُ ثِقالا

جَوائِلَ بِالقُنِيِّ مُثَقَّفاتٍ "
" كَأَنَّ عَلى عَوامِلِها الذُبالا

إِذا وَطِئتْ بِأَيدِيَها صُخورًا "
" يَفِئنَ لِوَطءِ أَرجُلِها رِمالا

جَوابُ مُسائِلي أَلَهُ نَظيرٌ "
" وَلا لَكَ في سُؤالِكَ لا أَلا لا

لَقَد أَمِنَت بِكَ الإِعدامَ نَفسٌ "
" تَعُدُّ رَجاءَها إِيّاكَ مالا

وَقَد وَجِلَت قُلوبٌ مِنكَ حَتّى "
" غَدَت أَوجالُها فيها وِجالا

سُرورُكَ أَن تَسُرُّ الناسَ طُرًّا "
" تُعَلِّمُهُمْ عَلَيكَ بِهِ الدَلالا

إِذا سَأَلوا شَكَرتَهُمُ عَلَيهِ "
" وَإِن سَكَتوا سَأَلتَهُمُ السُؤالا

وَأَسعَدُ مَن رَأَينا مُستَميحٌ "
" يُنيلُ المُستَماحَ بِأَن يَنالا

يُفارِقُ سَهمُكَ الرَجُلَ المُلاقي "
" فِراقَ القَوسِ ما لاقى الرِجالا

فَما تَقِفُ النصالُ عَلى قَرارٍ "
" كَأَنَّ الريشَ يَطَّلِبُ النِصالا

سَبَقتَ السابِقينَ فَما تُجارى "
" وَجاوَزتَ العُلُوَّ فَما تُعالى

وَأُقسِمُ لَو صَلَحْتَ يَمينَ شَيءٍ "
" لَما صَلَحَ العِبادُ لَهُ شِمالا

أُقَلِّبُ مِنكَ طَرفي في سَماءٍ "
" وَإِن طَلَعَت كَواكِبُها خِصالا

وَأَعجَبُ مِنكَ كَيفَ قَدَرتَ تَنشا "
" وَقَد أُعطيتَ في المَهدِ الكَمالا

© 2024 - موقع الشعر