أَفاضِلُ الناسِ أَغراضٌ لِذا الزَمَنِ - أبو الطيب المتنبي

أَفاضِلُ الناسِ أَغراضٌ لِذا الزَمَنِ "
" يَخلو مِنَ الهَمِّ أَخلاهُمْ مِنَ الفِطَنِ

وَإِنَّما نَحنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ "
" شَرٍّ عَلى الحُرِّ مِن سُقمٍ عَلى بَدَنِ

حَولي بِكُلِّ مَكانٍ مِنهُمُ خِلَقٌ "
" تُخطي إِذا جِئتَ في استِفهامِها بِمَنِ

لا أَقتَري بَلَدًا إِلّا عَلى غَرَرٍ "
" وَلا أَمُرُّ بِخَلقٍ غَيرِ مُضطَغِنِ

وَلا أُعاشِرُ مِن أَملاكِهِمْ أَحَدًا "
" إِلّا أَحَقَّ بِضَربِ الرَأسِ مِن وَثَنِ

إِنّي لَأَعذِرُهُمْ مِمّا أُعَنِّفُهُمْ "
" حَتّى أُعَنِّفُ نَفسي فيهِمِ وَأَني

فَقرُ الجَهولِ بِلا عَقلٍ إِلى أَدَبٍ "
" فَقرُ الحِمارِ بِلا رَأسٍ إِلى رَسَنِ

وَمُدقِعينَ بِسُبروتٍ صَحِبتُهُمُ "
" عارينَ مِن حُلَلٍ كاسينَ مِن دَرَنِ

خُرّابِ بادِيَّةٍ غَرثى بُطونُهُمُ "
" مَكنُ الضِبابِ لَهُم زادٌ بِلا ثَمَنِ

يَستَخبِرونَ فَلا أُعطيهِمُ خَبَري "
" وَما يَطيشُ لَهُمْ سَهمٌ مِنَ الظِنَنِ

وَخَلَّةٍ في جَليسٍ أَتَّقيهِ بِها "
" كَيما يُرى أَنَّنا مِثلانِ في الوَهَنِ

وَكِلْمَةٍ في طَريقٍ خِفتُ أَعرِبُها "
" فَيُهتَدى لي فَلَم أَقدِر عَلى اللَحنِ

قَد هَوَّنَ الصَبرُ عِندي كُلَّ نازِلَةٍ "
" وَلَيَّنَ العَزمُ حَدَّ المَركَبِ الخَشِنِ

كَم مَخلَصٍ وَعُلًا في خَوضِ مَهلَكَةٍ "
" وَقَتلَةٍ قُرِنَت بِالذَمِّ في الجُبُنِ

لا يُعجِبَنَّ مَضيمًا حُسنُ بِزَّتِهِ "
" وَهَل يَروقُ دَفينًا جَودَةُ الكَفَنِ

للهِ حالٌ أُرَجّيها وَتُخلِفُني "
" وَأَقتَضي كَونَها دَهري وَيَمطُلُني

مَدَحتُ قَومًا وَإِنْ عِشنا نَظَمتُ لَهُمْ "
" قَصائِدًا مِن إِناثِ الخَيلِ وَالحُصُنِ

تَحتَ العَجاجِ قَوافيها مُضَمَّرَةً "
" إِذا تُنوشِدنَ لَم يَدخُلنَ في أُذُنِ

فَلا أُحارِبُ مَدفوعًا إِلى جُدُرٍ "
" وَلا أُصالِحُ مَغرورًا عَلى دَخَنِ

مُخَيِّمُ الجَمعِ بِالبَيداءِ يَصهَرُهُ "
" حَرُّ الهَواجِرِ في صُمٍّ مِنَ الفِتَنِ

أَلقى الكِرامُ الأُلى بادوا مَكارِمَهُمْ "
" عَلى الخَصيبِيِّ عِندَ الفَرضِ وَالسُنَنِ

فَهُنَّ في الحَجْرِ مِنهُ كُلَّما عَرَضَتْ "
" لَهُ اليَتامى بَدا بِالمَجدِ وَالمِنَنِ

قاضٍ إِذا التَبَسَ الأَمرانِ عَنَّ لَهُ "
" رَأيٌ يُخَلِّصُ بَينَ الماءِ وَاللَبَنِ

غَضُّ الشَبابِ بَعيدٌ فَجرُ لَيلَتِهِ "
" مُجانِبُ العَينِ لِلفَحشاءِ وَالوَسَنِ

شَرابُهُ النَشحُ لا لِلرِيِّ يَطلُبُهُ "
" وَطَعمُهُ لِقَوامِ الجِسمِ لا السِمَنِ

القائِلُ الصِدقَ فيهِ ما يَضُرُّ بِهِ "
" وَالواحِدُ الحالَتَينِ السِرِّ وَالعَلَنِ

الفاصِلُ الحُكمَ عَيَّ الأَوَّلونَ بِهِ "
" وَالمُظهِرُ الحَقَّ لِلساهي عَلى الذِهنِ

أَفعالُهُ نَسَبٌ لَو لَم يَقُل مَعَها "
" جَدّي الخَصيبُ عَرَفنا العِرقَ بِالغُصُنِ

العارِضُ الهَتِنُ ابنُ العارِضِ الهَتِنِ اب "
" نِ العارِضِ الهَتِنِ ابنِ العارِضِ الهَتِنِ

قَد صَيَّرَتْ أَوَّلَ الدُنيا وَآخِرَها "
" آباؤُهُ مِن مُغارِ العِلمِ في قَرَنِ

كَأَنَّهُمْ وُلِدوا مِن قَبلِ أَن وُلِدوا "
" أَو كانَ فَهمُهُمُ أَيّامَ لَم يَكُنِ

الخاطِرينَ عَلى أَعدائِهِمْ أَبَدًا "
" مِنَ المَحامِدِ في أَوقى مِنَ الجُنَنِ

لِلناظِرينَ إِلى إِقبالِهِ فَرَحٌ "
" يُزيلُ ما بِجِباهِ القَومِ مِن غَضَنِ

كَأَنَّ مالَ ابنِ عَبدِ اللهِ مُغتَرَفٌ "
" مِن راحَتَيهِ بِأَرضِ الرومِ وَاليَمَنِ

لَم نَفتَقِد بِكَ مِن مُزنٍ سِوى لَثَقٍ "
" وَلا مِنَ البَحرِ غَيرَ الريحِ وَالسُفُنِ

وَلا مِنَ اللَيثِ إِلّا قُبحَ مَنظَرِهِ "
" وَمِن سِواهُ سِوى ما لَيسَ بِالحَسَنِ

مُنذُ احتَبَيتَ بِأَنطاكِيَّةَ اعتَدَلَتْ "
" حَتّى كَأَنَّ ذَوي الأَوتارِ في هُدَنِ

وَمُذ مَرَرتَ عَلى أَطوادِها قَرِعَتْ "
" مِنَ السُجودِ فَلا نَبتٌ عَلى القُنَنِ

أَخلَتْ مَواهِبُكَ الأَسواقَ مِن صَنَعٍ "
" أَغنى نَداكَ عَنِ الأَعمالِ وَالمِهَنِ

ذا جودُ مَن لَيسَ مِن دَهرٍ عَلى ثِقَةٍ "
" وَزُهدُ مَن لَيسَ مِن دُنياهُ في وَطَنِ

وَهَذِهِ هَيبَةٌ لَم يُؤتَها بَشَرٌ "
" وَذا اقتِدارُ لِسانٍ لَيسَ في المُنَنِ

فَمُر وَأَوْمٍ تُطَعْ قُدِّستَ مِن جَبَلٍ "
" تَبارَكَ اللهُ مُجري الروحِ في حَضَنِ

© 2024 - موقع الشعر