أَزائِرٌ يا خَيالُ أَم عائِدْ - أبو الطيب المتنبي

أَزائِرٌ يا خَيالُ أَم عائِدْ "
" أَم عِندَ مَولاكَ أَنَّني راقِدْ

لَيسَ كَما ظَنَّ غَشيَةٌ عَرَضَت "
" فَجِئتَني في خِلالِها قاصِدْ

عُد وَأَعِدها فَحَبَّذا تَلَفٌ "
" أَلصَقَ ثَديِي بِثَديِكِ الناهِدْ

وَجُدتَ فيهِ بِما يَشِحُّ بِهِ "
" مِنَ الشَتيتِ المُؤَشَّرِ البارِْد

إِذا خَيالاتُهُ أَطَفنَ بِنا "
" أَضحَكَهُ أَنَّني لَها حامِدْ

وَقالَ إِن كانَ قَد قَضى أَرَبًا "
" مِنّا فَما بالُ شَوقِهِ زائِدْ

لا أَجحَدُ الفَضلَ رُبَّما فَعَلَت "
" ما لَم يَكُن فاعِلًا وَلا واعِدْ

لا تَعرِفُ العَينُ فَرقَ بَينِهِما "
" كُلٌّ خَيالٌ وِصالُهُ نافِدْ

يا طَفلَةَ الكَفِّ عَبلَةَ الساعِد "
" عَلى البَعيرِ المُقَلَّدِ الواخِدْ

زيدي أَذى مُهجَتي أَزِدكِ هَوىً "
" فَأَجهَلُ الناسِ عاشِقٌ حاقِدْ

حَكَيتَ يا لَيلُ فَرعَها الوارِدْ "
" فَاحكِ نَواها لِجَفنِيَ الساهِدْ

طالَ بُكائي عَلى تَذَكُّرِها "
" وَصُلتَ حَتّى كِلاكُما واحِدْ

ما بالُ هَذي النُجومِ حائِرَةً "
" كَأَنَّها العُميُ ما لَها قائِدْ

أَو عُصبَةٌ مِن مُلوكِ ناحِيَةٍ "
" أَبو شُجاعٍ عَلَيهِمُ واجِدْ

إِن هَرَبوا أَدرَكوا وَإِن وَقَفوا "
" خَشوا ذَهابِ الطَريفِ وَالتالِدْ

فَهُم يُرَجّونَ عَفوَ مُقتَدِرٍ "
" مُبارَكِ الوَجهِ جائِدٍ ماجِدْ

أَبلَجَ لَو عاذَتِ الحَمامُ بِهِ "
" ما خَشِيَت رامِيًا وَلا صائِدْ

أَو رَعَتِ الوَحشُ وَهيَ تَذكُرُهُ "
" ما راعَها حابِلٌ وَلا طارِدْ

تُهدي لَهُ كُلُّ ساعَةٍ خَبَرًا "
" عَن جَحفَلٍ تَحتَ سَيفِهِ بائِدْ

وَمَوضِعًا في فِتانِ ناجِيَةٍ "
" يَحمِلُ في التاجِ هامَةَ العاقِدْ

يا عَضُدًا رَبُّهُ بِهِ العاضِد "
" وَسارِيًا يَبعَثُ القَطا الواردْ

وَمُمطِرَ المَوتِ وَالحَياةِ مَعًا "
" وَأَنتَ لا بارِقٌ وَلا راعِدْ

نِلتَ وَما نِلتَ مِن مَضَرَّةِ وَه "
" شوذانَ ما نالَ رَأيُهُ الفاسِدْ

يَبدَءُ مِن كَيدِهِ بِغايَتِهِ "
" وَإِنَّما الحَربُ غايَةُ الكائِدْ

ماذا عَلى مَن أَتى يُحارِبُكُمْ "
" فَذَمَّ ما اختارَ لَو أَتى وافِدْ

بِلا سِلاحٍ سِوى رَجائِكُمْ "
" فَفازِ بِالنَصرِ وَانثَنى راشِدْ

يُقارِعُ الدَهرَ مَن يُقارِعُكُمْ "
" عَلى مَكانِ المَسودِ وَالسائِدْ

وَلَيتَ يَومي فَناءِ عَسكَرِهِ "
" وَلَم تَكُن دانِيًا وَلا شاهِدْ

وَلَم يَغِب غائِبٌ خَليفَتُهُ "
" جَيشُ أَبيهِ وَجَدُّهُ الصاعِدْ

وَكُلُّ خَطِّيَّةٍ مُثَقَّفَةٍ "
" يَهُزُّها مارِدٌ عَلى مارِدْ

سَوافِكٌ ما يَدَعنَ فاصِلَةً "
" بَينَ طَرِيِّ الدِماءِ وَالجاسِدْ

إِذا المَنايا بَدَت فَدَعَوتُها "
" أُبدِلَ نونًا بِدالِهِ الحائِدْ

إِذا دَرى الحِصنُ مَن رَماهُ بِها "
" خَرَّ لَها في أَساسِهِ ساجِدْ

ما كانَتِ الطَرمُ في عَجاجَتِها "
" إِلّا بَعيرًا أَضَلَّهُ ناشِدْ

تَسأَلُ أَهلَ القِلاعِ عَن مَلِكٍ "
" قَد مَسَخَتهُ نَعامَةً شارِدْ

تَستَوحِشُ الأَرضُ أَن تَقِرَّ بِهِ "
" فَكُلُّها آنِهٌ لَهُ جاحِدْ

فَلا مُشادٌ وَلا مَشيدٌ حَمى "
" وَلا مَشيدٌ أَغنى وَلا شائِدْ

فَاغتَظ بِقَومٍ وَهشوذَ ما خُلِقوا "
" إِلّا لِغَيظِ العَدوِّ وَالحاسِدْ

رَأَوكَ لَمّا بَلَوكَ نابِتَةً "
" يَأكُلُها قَبلَ أَهلِهِ الرائِدْ

وَخَلِّ زِيًّا لِمَن يُحَقِّقَهُ "
" ما كُلُّ دامٍ جَبينُهُ عابِدْ

إِن كانَ لَم يَعمِدِ الأَميرُ لِما "
" لَقيتَ مِنهُ فَيُمنُهُ عامِدْ

يُقلِقُهُ الصُبحُ لا يَرى مَعَهُ "
" بُشرى بِفَتحٍ كَأَنَّهُ فاقِدْ

وَالأَمرُ لِلَّهِ رُبَّ مُجتَهِدٍ "
" ما خابَ إِلّا لِأَنَّهُ جاهِدْ

وَمُتَّقٍ وَالسِهامُ مُرسَلَةٌ "
" يَحيدُ عَن حابِضٍ إِلى صارِدْ

فَلا يُبَل قاتِلٌ أَعاديهِ "
" أَقائِمًا نالَ ذاكَ أَم قاعِدْ

لَيتَ ثَنائي الَّذي أَصوغُ فِدى "
" مَن صيغَ فيهِ فَإِنَّهُ خالِدْ

لَوَيتُهُ دُملُجًا عَلى عَضُدٍ "
" لِدَولَةٍ رُكنُها لَهُ والِدْ

© 2024 - موقع الشعر