خير الناس - النابغة الذبياني

كتمتك ليلاً بالجمومين ساهراً,
وهمين: هماً مستكناً وظاهراً

أحاديث نفسٍ تشتكي ما يريبها,
وورد همومٍ لم يجدن مصادرا

تكلفني أن يفعل الدهر همها,
وهل وجدت قبلي على الدهر قادراً؟

ألم تر خير الناس أصبح نعشه
على فتيةٍ, قد جاوز الحي, سائرا

ونحن لديه, نسأل الله خلده,
يرد لنا ملكاً, وللأرض, عامراً

ونحن نرجي الخلد إن فاز قدحنا,
ونرهب قدح الموت إن جاء قامرا

لك الخير إن وارت بك الأرض واحداً
وأصبح جد الناس يظلع, عاثراً

وردت مطايا الراغبين, وعريت
جيادك, لا يحفي لها الدهر حافرا

رأيتك ترعاني بعينٍ بصيرةٍ,
وتبعث حراساً علي وناظرا

وذلك من قولٍ أتاك أقوله,
ومن دس أعدائي إليك المآبرا

فآليت لا آتيك, إن جئت, مجرماً,
ولا أبتغي جاراً, سواك, مجاورا

فأهلي فداء لامرئ, إن أتيته
تقبل معروفي, وسد المفاقرا

سأكعم كلبي أن يربيك نبحه,
وإن كنت أرعى مسحلان فحامرا

وحلت بيوتي في يفاعٍ ممنع,
تخال به راعي الحمولة طائرا

تزل الوعول العصم عن قذفاته,
وتضحي ذراه, بالسحاب, كوافرا

حذاراً على أن لا تنال مقادتي,
ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا

أقول, وإن شطت بي الدار عنكم
إذا ما لقينا من معد مسافرا

ألكني إلى النعمان حيث لقيته,
فأهدى له الله الغيوث البواكرا

وصبحه فلج, ولا زال كعبه,
على كل من عادى من الناس, ظاهرا

ورب عليه الله أحسن صنعه,
وكان له, على البرية, ناصرا

فألفيته يوماً يبيد عدوه,
وبحر عطاء, يستخف المعابرا

© 2024 - موقع الشعر