الحُزنُ يُقلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَردَعُ - أبو الطيب المتنبي

الحُزنُ يُقلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَردَعُ "
" وَالدَمعُ بَينَهُما عَصِيٌّ طَيِّعُ

يَتَنازَعانِ دُموعَ عَينِ مُسَهَّدٍ "
" هَذا يَجيءُ بِها وَهَذا يَرجِعُ

النَومُ بَعدَ أَبي شُجاعٍ نافِرٌ "
" وَاللَيلُ مُعْيٍ وَالكَواكِبُ ظُلَّعُ

إِنّي لَأَجبُنُ مِن فِراقِ أَحِبَّتي "
" وَتُحِسُّ نَفسي بِالحِمامِ فَأَشجُعُ

وَيَزيدُني غَضَبُ الأَعادي قَسوَةً "
" وَيُلِمُّ بي عَتبُ الصَديقِ فَأَجزَعُ

تَصفو الحَياةُ لِجاهِلٍ أَو غافِلٍ "
" عَمّا مَضى فيها وَما يُتَوَقَّعُ

وَلِمَن يُغالِطُ في الحَقائِقِ نَفسَهُ "
" وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فَتَطمَعُ

أَينَ الَّذي الهَرَمانِ مِن بُنيانِهِ "
" ما قَومُهُ ما يَومُهُ ما المَصرَعُ

تَتَخَلَّفُ الآثارُ عَن أَصحابِها "
" حينًا وَيُدرِكُها الفَناءُ فَتَتبَعُ

لَم يُرضِ قَلبَ أَبي شُجاعٍ مَبلَغٌ "
" قَبلَ المَماتِ وَلَم يَسَعهُ مَوضِعُ

كُنّا نَظُنُّ دِيارَهُ مَملوءَةً "
" ذَهَبًا فَماتَ وَكُلُّ دارٍ بَلقَعُ

وَإِذا المَكارِمُ وَالصَوارِمُ وَالقَنا "
" وَبَناتُ أَعوَجَ كُلُّ شَيءٍ يَجمَعُ

المَجدُ أَخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفقَةً "
" مِن أَن يَعيشَ لَها الكَريمُ الأَروَعُ

وَالناسُ أَنزَلُ في زَمانِكَ مَنزِلًا "
" مِن أَن تُعايِشَهُم وَقَدرُكَ أَرفَعُ

بَرِّد حَشايَ إِنِ استَطَعتَ بِلَفظَةٍ "
" فَلَقَد تَضُرُّ إِذا تَشاءُ وَتَنفَعُ

ما كانَ مِنكَ إِلى خَليلٍ قَبلَها "
" ما يُستَرابُ بِهِ وَلا ما يوجِعُ

وَلَقَد أَراكَ وَما تُلِمُّ مُلِمَّةٌ "
" إِلّا نَفاها عَنكَ قَلبٌ أَصمَعُ

وَيَدٌ كَأَنَّ قِتالَها وَنَوالَها "
" فَرضٌ يَحِقُّ عَلَيكَ وَهوَ تَبَرُّعُ

يا مَن يُبَدِّلُ كُلَّ يَومٍ حُلَّةً "
" أَنّى رَضيتَ بِحُلَّةٍ لا تُنزَعُ

ما زِلتَ تَخلَعُها عَلى مَن شاءَها "
" حَتّى لَبِستَ اليَومَ ما لا تَخلَعُ

ما زِلتَ تَدفَعُ كُلَّ أَمرٍ فادِحٍ "
" حَتّى أَتى الأَمرُ الَّذي لا يُدفَعُ

فَظَلِلتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ "
" فيما عَراكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ

بِأَبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ "
" يَبكي وَمِن شَرِّ السِلاحِ الأَدمُعُ

وَإِذا حَصَلتَ مِنَ السِلاحِ عَلى البُكا "
" فَحَشاكَ رُعتَ بِهِ وَخَدَّكَ تَقرَعُ

وَصَلَت إِلَيكَ يَدٌ سَواءٌ عِندَها "
" ألبازُ الاشَهِبُ وَالغُرابُ الأَبقَعُ

مَن لِلمَحافِلِ وَالجَحافِلِ وَالسُرى "
" فَقَدَت بِفَقدِكَ نَيِّرًا لا يَطلَعُ

وَمَنِ اتَّخَذتَ عَلى الضُيوفِ خَليفَةً "
" ضاعوا وَمِثلَكَ لا يَكادُ يُضَيِّعُ

قُبحًا لِوَجهِكَ يا زَمانُ فَإِنَّهُ "
" وَجهٌ لَهُ مِن كُلِّ قُبحٍ بُرقُعُ

أَيَموتُ مِثلُ أَبي شُجاعٍ فاتِكٌ "
" وَيَعيشُ حاسِدُهُ الخَصِيُّ الأَوكَعُ

أَيدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوالَي رَأسِهِ "
" وَقَفًا يَصيحُ بِها أَلا مَن يَصفَعُ

أَبقَيتَ أَكذَبَ كاذِبٍ أَبقَيتَهُ "
" وَأَخَذتَ أَصدَقَ مَن يَقولُ وَيَسمَعُ

وَتَرَكتَ أَنتَنَ ريحَةٍ مَذمومَةٍ "
" وَسَلَبتَ أَطيَبَ ريحَةٍ تَتَضَوَّعُ

فَاليَومَ قَرَّ لِكُلِّ وَحشٍ نافِرٍ "
" دَمُهُ وَكانَ كَأَنَّهُ يَتَطَلَّعُ

وَتَصالَحَت ثَمَرُ السِياطِ وَخَيلُهُ "
" وَأَوَت إِلَيها سوقُها وَالأَذرُعُ

وَعَفا الطِرادُ فَلا سِنانٌ راعِفٌ "
" فَوقَ القَناةِ وَلا حُسامٌ يَلمَعُ

وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنادِمٍ "
" بَعدَ اللُزومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ

مَن كانَ فيهِ لِكُلِّ قَومٍ مَلجَأً "
" وَلِسَيفِهِ في كُلِّ قَومٍ مَرتَعُ

إِن حَلَّ في فُرسٍ فَفيها رَبُّها "
" كِسرى تَذِلُّ لَهُ الرِقابُ وَتَخضَعُ

أَو حَلَّ في رومٍ فَفيها قَيصَرٌ "
" أَو حَلَّ في عُربٍ فَفيها تُبَّعُ

قَد كانَ أَسرَعَ فارِسٍ في طَعنَةٍ "
" فَرَسًا وَلَكِنَّ المَنِيَّةَ أَسرَعُ

لا قَلَّبَت أَيدي الفَوارِسِ بَعدَهُ "
" رُمحًا وَلا حَمَلَت جَوادًا أَربَعُ

© 2024 - موقع الشعر