فضة تتعلم الرسم - عبدالله الصيخان

استحضار:
 
وحدي هنا
 
غادرتني المليحةُ
 
أشْرَعَ هذا الممرّ لها بابهُ..
 
فخطت خطوتين
 
نوتْ أن تعود..
 
هي الآن تخرج من ساعدي
 
****
 
فضة الآن ترسم قابلةً ونساءً وأنفًا وأذنًا وعينْ
 
ثم ترسم مدرسةً وأسرَّة نومٍ وترسم خطين
 
وعصفورة بين خط وعين
 
****
 
- أتراني؟
 
- أجل
 
منذ أن سافرت للكوى المغلقهْ
 
نكهةٌ مشرقهْ
 
اضحكي.. اضحكي
 
بيننا الكأس والتبغُ والأروقة
 
****
 
فضة الآن ترسم جمجمة وحقولاً
 
وتسألني عن أبي
 
- كان نهرًا من الضوء والأسئله
 
كان يعشق طين الجزيرة حتى البكاء
 
ويروي عن الموجة المقبلهْ
 
فضةُ الآن ترسم أسرارها في ذراعي
 
وتقضم تفاحة للضحك
 
آه ما أملحك!
 
آه ما أملحك!
 
****
 
تستحيل حصانًا حوافره في دمي ثم تمضي إلى الضحك
 
الموسمي وتحمل كأسًا من النار حتى فمي..
 
- أتراني؟
 
- أجلْ
 
جهةً مورقه
 
وخيولاً على الصمت مستغرقهْ
 
فضة الآن ترسم بحرًا وأشرعةً وفضاءً صغيرْ
 
وتحتال حين أقايضها:
 
أشتري بحرك الغجري
 
وأعطيك حقل صهيلٍ وسلة طينْ ..
 
وأطلق عصفورتي في الفضاء الصغير
 
****
 
فضة الآن ترسم طفلاً وتسأله عن مواجع كفيه... تبعثهللدروس
 
يحمل الطفل دفتره المدرسي ويلبس كوفيةً وعقال قصبْ
 
- أتراني؟
 
- أجل
 
شفة من لهبْ
 
يا غناء التعبْ
 
يركض الطفل في تعبي فيطيح التعبْ
 
- إيه يا فضة العربيه..
 
حدثيني فإن الصباحات مرتبكٌ وجهها
 
حدثيني فكم بللتني الغيوم وصادرني شارع؛ شالني
 
واستبد بطفل ، بدفتره المدرسي ويلبس كوفيةً
 
وعقال قصبْ
 
فضة الآن جالسة بين صمتي وبيني
 
تفزّ المليحة
 
تخلع خلخالها وتواريه عن عينها
 
ثم ترسم طفلاً بلا أحذيه
 
- هنا محكمه!
 
تستحيل بحجرتها قاعة للقضاء، وأخرى بها الماثلون إليه
 
بتهمة قلب الأمور، وأخرى بها الصامتون، وأخرى بها
 
الناطقون بغير حديثٍ، وفي آخر الحجرات الشهودْ
 
- الشهودْ.. الشهودْ
 
ندّت عن صبي يبيع الأحاديث والصحف العربية إيماءةً
 
للحضور وجلجل في آخر الصف صوت نساء ولغط، وكرّتْ
 
بإحدى الصفوف حبيبات مسبحةٍ..
 
تنحنح شيخ، توضأ بالأرقيه
 
- هنا محكمه!
 
رفعت جلسة اليوم
 
فاخلعوا الأرديه
 
- أتراني؟
 
- أجل
 
أو أرى نكهة في السريرْ
 
والفضاء صغيرٌ.. صغير
 
لا يتسع
 
****
 
فضة الآن ترسم كأسًا وترفعها: صحتين
 
- هل ترى هذه الكأس أو هذه الفرس الجامحه؟
 
كنت أعدو بها - أين كنت - في حقول الهوى
 
ليلة البارحه
 
وقفتْ
 
سألتني المليحة عن شالها
 
جلستْ
 
عقصت شعرها
 
طلبت كوب شايٍ وتبغْ
 
وضعت وجهها في ذراعي، بكت..
 
واستدارت إليّ
 
قبّلت في الهجير فرس مهرها
 
سألتني عن الشك، كيف يجيء
 
- إذا حاصرتك المخافات يا امرأة الخوف، وسوس
 
في صدرك الطفل واعتمرت وجهك المستبد عباءته
 
الباهته
 
- أتراني
 
- أجل
 
لغة صامته
 
شالها ضائع
 
ضيّعته متى؟
 
طلبت كأس ماء وسيجارة واحتمت بالبكاء
 
- أتراني؟
 
- أجل
 
جمعتنا المواجعُ يا فضة العربيه
 
وانتعلتْ فمَنا لغةُ القاعدين، وهذّبنا الشمعُ وارتحلت
 
في الدم العربي الخيانات، ضاعت القافله
 
رسمتْ قطة ذات عينين واسعتين وصحن حليب
 
وخيطًا تمارس قتل الفراغ به
 
صرخت:
 
- أتراني؟
 
- أنا لا أرى!!
 
استحلتُ أنا وردةً في مدائن هذي البلاد، وحولت عيني
 
أحصنةً للسباق وخبزًا له نكهة الفقراء، وساومت كل الذين
 
يبيعون لون القصائد أن أشتريها..
 
تحولت تسبيحة للبلاد وتعويذة للسفر
 
إيه يا فضة العربية، كيف أرى؟
 
فضة الآن ترسم بابًا وتحكم إغلاق مزلاجه الخشبيّ
 
ثم ترسم بيتًا وتمحوه
 
بيتًا وتمحوه
 
بيتًا وتمحوه
 
ضائعة في الصباح ملامح منزلنا العربي
 
وضائعة في المساء إذا جعلته النساء خمارًا عن الضوء
 
كيف أرى؟
 
فضة الآن تطلبني واقفًا للفناء
 
سأفتح نافذةً لبكاء البساتين ، نافذة لارتحالات وجه البلاد
 
معي
 
لا تطلبي صوتي الآن
 
حنجرتي صادرتْها المسافاتُ
 
كوني معي الآن يا فضة العربية
 
كوني معي
 
لنبكي على ما جرى
© 2024 - موقع الشعر