أمير المؤمنين

لـ تميم البرغوثي، ، بواسطة سماهر، في غير مُحدد

أمير المؤمنين - تميم البرغوثي

(إلى السيد حسن نصر الله)
***

في انقطاعِ الكهرباءْ
تحتَ القصفْ

وحدي في البيتْ
كنتُ ما أزالُ أحاولُ وصفَ الديارْ

خط الأفق متعرج من حطام المباني
والدخان دعاء عابسْ:

ديار ببيروتٍ وأخرى ببغدادِ
عييٌ بها الناعي عييٌ بها الشادي

لقد كنتُ أبكي في طلولٍ لأجدادي
فأصبحت أبكي في طلولٍ لأحفادي

...
امتدت يدٌ من ورائي

تَعَدَّتْ أربعةَ عَشَرَ قرناً،
رَبَّتَتْ عَلَى كَتِفِي:

لاتَخَفْ، لستَ وحدَك، ما دُمنا معك فلن تَنْقَطِعْ
...

وإلتفتُّ فإذا بهم جميعاً هنا
سُكاَّنُ الكُتُبْ

أَئِمَّةٌ وحُدَاةٌ وشعراء
كيميائيونَ وأطبَّاءُ ومُنَجِّمُون

وخيلٌ تَمْلأُ البيتَ وتفيضُ على الشارع
وتخوضُ عِدَّةَ أميالٍ في البحر

...
وسْطَهم على شاشةِ الفضائيةْ

نَظَرْتُ إليه
أميرُ المؤمنينَ بعمامةٍ سوداء

علامةُ نَسَبِهِ للحُسَينِ بنِ عَليٍّ بنِ أبي طالبْ
ثم إنَّ العربَ إذا طلبت الثأرَ تَعَمَّمَتْ بالسوادْ

ثم إنَّهُ لَفَّ الليلَ عَلَى رأسِهِ وأصبحْ
ثم إنَّهُ ذَكَّرَني،

وكُنْتُ قد نَسِيتُ،
أنني ذو كرامةٍ على الله

...
مِنْ آلِ بيتِ الرسولِ يا حَسَنُ

مَنْ لَو وَزَنْتَ الدُّنيا بهم وَزَنُوا
جُزِيتَ خيراً عن أُمَّةٍ وَهَنَتْ

فَقُلْتَ لا بأسَ ما بكم وَهَنُ
لِيَذْكُرَ الصُّبْحُ أَنَّهُ نَفَسٌ

وَيَذُكُرَ الليلُ أّنَّهُ سَكَنُ
وَيَذُكُرَ الرُّوح أنَّهُ جَسَدٌ

وَيَذْكُرَ السِرُّ أنَّهُ عَلَنُ
ويَذْكُرَ الطينُ أنَّهُ بَشَر

تَذَكُّراً قد يشوبُهُ الشَّجَنُ
وأَنَّه ربما اْشْتَهَى فَرَحَاً

وربما لا يَروقُهُ الحَزَنُ
وربما لا يَوَدُّ عِيشةَ مَن

أنفاسُهُ مِنْ أعدائِهِ مِنَنُ
وأنَّهُ في قتالهم رَجُلٌ

وأنه في جدالهم لَسِنُ
وقد يُجِنُّ الجنانُ من رَجُلٍ

في الحَرْبِ ما لا تُجِنُّهُ الجُنَنُ
خليفةَ اللهِ باْسْمِكَ انتشروا

خَلقاً جَديداً من بعد ما دُفِنوا
إنَّا أَعَرْنا الأميرَ أنْفَسَنا

وَهْوَ عَليها في الكَرْبِ مُؤْتَمَنُ
...

وامتدَّت اليدُ إلى السماء،
مُتَعَدِّيَةً أربعة عشر قرناً،

ونَزَعَتِ الليلَ عنها برفقْ
نَزْعَكَ الضمادَ أو اللثامْ

فإذا تحته ليلٌ آخرْ
فَنَزَعَتْه أيضاً

وهكذا ليلاً بعد ليلْ،
كأنها تَقْلِبُ صَفَحَاتٍ في كتابْ

وكلَّما قَلَبَتْ صَفْحَةً منهْ
شَفَّت الصفحاتُ الباقيةُ عن كلامٍ ما:

ألا تَرَى النبوءة
سلاحهم يَهوِي

وسلاحنا يَصعدْ
...

نما لبلابٌ على الصاروخ،
والتفَّ عليه حتى كَسَاه

ثم أزهرْ
صاح وَلَدٌ، الله أكبر

وهوى سقفُ إسرائيلْ
دخلوا إلى الملاجئ،

كالترابِ تحتَ البساط
أصلُ الإنسان تُرابْ

ولكنَّ فرعَه السماءْ
وثمارُه سُكَّانُها

راقبتُ الفضائياتِ وتَذَكَّرتُ،
إنَّ الله، رغم كل شيئ، حقيقةٌ علميةْ

...
في انقطاع الكهرباء

تحتَ القصفْ
لستُ وحدي

وإن الليلَ أسودُ كالتمرْ
كل ليلةٍ تَمْرة،

وما زالت اليد،
تقطفها تَمْرةً تَمْرةً

وليلةً ليلةً
وإنه ليس بيني وبين الجنَّةِ إلا هذه التَمْراتْ

وامتدَّت يدٌ
مُتَعَدِّيَةً أربعةَ عَشَرَ قرناً

فصافَحَتْني
وبايَعْتُها

وكنتُ ما أزال أحاولُ وصفَ الديار
وأنقل القصيدة من القافية المكسورة

إلى القافية المرفوعة:
...

ديارٌ تَغَلاَّها من الدهرِ ناقدُ
تَجَفَّلُ عنها كالنَّعامِ الشدائِدُ

ديارٌ يَبِيتُ الدهرُ جَرْوَاً ببابها
تُلاعِبُهُ عِنْدَ الصباحِ الولائِدُ

وغيمٌ كطيَّاراتِ طفلٍ يَشُدُّها
بِخَيْطٍ فَيُدْني بينَها وَيُبَاعِدُ

يَظَلًّ عليها عاكفاً مِثْلَ مُحْرِم
يَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَكَّةٍ وَهْوَ وَافِدُ

وتُنْقَشُ في جُدْرانها كلُّ آيةٍ
فتَرْتَدُّ في نحرِ الليالي المكايِدُ

ومِن حَولِها الخيلُ العِتاق تجمَّعَتْ
بِلا لُجُمٍ مُسْتَأْنَسَاتٌ أَوَابِدُ

خُيولٌ أطاعت راكِبيها محبةً
وَلَيْسَ لها حتَّى القِيَامَةِ قائِدُ

وَلَيْسَتْ بأطلالٍ ولَسْتُ بِشَاعِرٍ
ولكنَّني فيها لأهلِيَ رائِدُ

أراها قريباً ليسَ بيني وبينَها
سِوَى قَصْفِ هذا الليل...

© 2024 - موقع الشعر