آذنتنا أيامنا بانقناء - أنور العطار

يا لياليَّ في الحِمى لستُ أَنْسَا كِ
على ما حملتِ من إقلاقِ

فكأنّا ما غاب عنا رؤاها
أو سقانا كأسَ المنيّة ساق

فارجِعي يا طيوفَها آمناتٍ
لا تخالي الردى سريعَ اللحاق

لا يُطيف السلوّ بالذاكر المُشْ تَاقِ،
والشوقُ مِيسم العشّاق

يا دياري التي حبَبَتُ ويا أَنْ فَسَ
ما قد ذخَرْتُ من أعلاق

يا أحبّايَ في ربوعي الغوالي
والمديدَ المديد من آفاقي

سدّد اللهُ في الحياة خُطاكم
وكفاكم مزالقَ الإخفاق

ورعاكم، وزانكم بسجايا
خالداتٍ على الليالي بواق

يومَنا المرتجى! تباركتَ يوماً
أنتَ في علم ربّنا الخلاّق

تتلاقى الأحبابُ في أفقكَ الرَّحْ بِ،
وتشفى من حُرقة الأشواق

هي في غمرة البقاء شَحارِيْ رُ،
تغنّتْ بذكرياتٍ رِقاق

قد رَقَتْ في فضاء ربّيَ هَيْمى
وَهْيَ لمّا تزل تُحبّ المراقي

قد نزعنا ثوبَ الحياة قشيباً
وجرعنا الردى بكأسٍ دِهاق

وأفقنا وللصباح عبوسٌ والدجى
الوَحْف قاتمُ الأعماق

ملّتِ النفسُ صحوَها وكراها
واصطباحي من همّها واغتباقي

فمتى أستريح من عبئها القا سي،
وأنجو من سحرها البرّاق؟

يا مغيبَ الحياة أنسيْتَني النُّوْ رَ،
وأقصيْتَني عن الإشراق

ومحوتَ الوجودَ إلا رسوماً
أوثَقَتْها يدُ البِلى في وَثاق

نطقتْ بالمبين من مُحكَم القَوْ لِ،
وأفضتْ بسرّها المِغلاق

وجثتْ لا تردّ عنها العوادي لا
ولا تشتهي الخيالَ الراقي

آذنَتْنا أيامُنا بانقضاءٍ وانطلقنا
من قيدها الخنّاق

أعتقتنا المنونُ من أسرها الصَّعْ بِ،
ومِمّا حوتْ من استرقاق

ما انتفاعي بالبدر تِمّاً إذا كا نَ
هلالي تِرْبَ البِلى والمُحاق؟

رُبّ ليلٍ أمدّه القلبُ بالنُّوْ رِ،
وليلٍ محلولك الأَطباق

أنا من بعدكم حنينٌ وسُهدٌ لستُ
أخشى سُهدي ولا إفراقي

بين قلب على الأحبّة خَفّا قٍ،
وطيفٍ على المدى طرّاق

ذلكم يا شقائقَ الروح والقَلْ بِ،
سبيلي، وتلكُمُ أخلاقي

فإذا غبتُ فالمعاد
وشيكٌ لمحبّ مُعذّبٍ مِقْلاق

وَدّعِ الصحبَ يا صريعَ
الرزايا ففراقُ الأحباب غيرُ مُطاق

وتأهّبْ فإنّما أنتَ ظلٌّ
راجف من تنقّل وانطلاق

والدياجي لا ترهب القاحمَ
الفَرْ دَ، ولا تستبدّ بالسبّاق

كلُّ غصنٍ إلى بِلىً وذبولٍ
مثل رسمٍ مُهَدّمٍ أحذاق

كيف يعتاقني الحِمام عن الأَهْ لِ
ولا يُرمض الحِمام اعتياقي؟

أنا في قبضة الإله!.. وكم أَحْ مَد
رقّي وكم أحبّ وَثاقي

فاذهبي يا حياةُ كَلَّ ذهابٍ
واطرحيني من ليلك الغسّاق

وخُذي ما أمضّني وعَناني في
ديار الإفقار والإملاق

تاقتِ النفسُ للخلاص من الأَسْ رِ،
وحنّتْ إلى المطاف الواقي

فمتى يا تُرى يتمّ انطلاقي؟
ومتى يا ترى يحين انعتاقي؟

قد كفتْنا الحياةُ همّاً وغمّاً
وشفتْنا المنونُ مما نلاقي

نتساقى كؤوسَنا مترعاتٍ ولكم
لذَّ في الجِنان التساقي

حِرتُ في الموت والحياة،
وأَعْيَا نِيَ صحوي، وطاب لي إغراقي

يا لَسُمٍّ نلذّه، وذُعافٍ يحتسيه
اللديغُ كالترياق

لا يحوم الشفاء حول مِهادي
والضّنى المرّ آخذٌ بالخناق

فاسترحْ أيها السقيمُ المعنّى
من فؤاد مُروَّعٍ خفّاق

نضبتْ أكؤسُ الهوى، وامّحى
البِشْ رُ، ولاح الفراق خلف العناق

وتعرّتْ خيلُ الصّباء من الأُنْ سِ،
وأَكْرِمْ بخَيْله من عِتاق

وطويتُ الشبابَ في ورق
العُمْ رِ، وودّعتُه بدمعٍ مُراق

فارقدي يا حياةُ في كهفك الحا ني،
وفي مهدك الوثير الباقي

© 2024 - موقع الشعر