مـا غـيّـبـوك - نبيلة الخطيب

أغمضتَ عينكَ حتى نبصرَ الألَقا
ووهجُ نبضكَ من أعصابنا دَفَقا

قالوا جثا الليلُ معقوداً بدُهمَتِهِ
وغيّبوكَ بقلبِ الليلِ فانفلَقا

يا مَن صنعتَ من القضبان مدرسةً
وهجعة القبر قد سَوّيتَها أفقا

لملمْتَ أمّتنا قلباً على قسَمٍ
لمّا تناثرتَ قرباناً بها مِزَقا

تلاطَمَ الليلُ والإعصارُ لُجّتُهُ
أنجاكُ ربّكَ إذ أسطولُهم غرقا

هم أحرصُ الناس أن يحيَوْأ فأورَثهم
حِرْصٌ عليها وقد غُلّوا بها قلَقا

فما الحياةُ لمن يضنى بها ولها
إلا ابتلاءً ونكراناً لمن عشقا؟!

وسَكرةُ الموت حين الموتُ صَنْعَتُهم
ذوقوهُ لكن هواناً شائكاً زهَقا

وصيحة الحق يوم الحق موعدنا
من ذا يَحيدُ عن الوعد الذي صَدَقا؟!

تشَقّقُ الأرضُ عنهم ثم تلفظهم
فيسقطونَ على أعقابها فَرَقا

***
الشيخُ لم يسأل الأيامَ لو سِنَةً

وقد أناخَ على أجفانه الأرَقا
فأنبتَ الصحوَ في أحداقنا وغفا

وظلّ فينا غزيراً يانعاً غَدِقا
يا للمعلّم لمّا صابَه نصَبٌ

توَسّدَ الحرفَ والبارودَ ثمّ رَقى
وانصبَّ فوقَ جراح الأرض فالتأمتْ

وأسكنَ الألمَ المسفوحَ حين رقى
فرتّلَ الكونُ أصداءَ الحروف له

وأشعلَ الدمُ في تاريخنا الوَرَقا
كم نازلتهُ عصيباتُ الزعافِ دُجىً!

سلوا المضاميرَ مَن في أوجها سَبقا
سلوا الضوامرَ والفرسانَ هل شهدوا

ذاك الذي خلّفَ الأيامَ وانطلقا؟!
ما أتعبَتهُ العَوادي عَدّها وعَدا

وكلما ضيّقوها حوله سَمَقا
بالسجنِ بالنار ما لانتْ عزائمُه

ساموهُ مَكراً فأعيى مَكرَهم رَهَقا
مَن أشعلَ الروحَ قنديلاً وقافية؟!

وبثَّ في دمنا من طِيبِه عَبَقا
يا غرّة العصر والأجيالُ تذكرُه

طوّقتَ بالعهد منا القلبَ والعُنقا
فليشهد الدهرُ أنا لا ننامُ على

عهدِ قطعناهُ حتى نسْلِمَ الرّمَقا.
© 2024 - موقع الشعر