كل من عليها فان - إيليا أبو ماضي

فديناك ، لو أنّ الردى قبل الفدى
بكلّ نفيس بالنفاس يفتدى

أبى الموت إلاّ ن ينالك سهمه
و ألا يرى شمل مبدّدا

فأقدم لا يبغي سواك و كلّما
درى أنّه عظيما تشدّدا

دهاك الردى لكن على حين فجأة
فتبّت يداه غادر صرح النّدى

دهاك و لم يشفق عل الصبيّة الألى
تركتهم يبكون مثنى و موحدا

فقدت و أوجدت الأسى في قلوبنا
أسى كاد لولا الدمع أن يتوقّدا

بكيناك حتى كاد يبكي لنا الصفا
و حتى بكت ممّا بكينا له العدى

و ما كاد يرقى الدمع حتى جرى به
غد عندما ، يا ليتنا لم نر غدا !

قضت طفلة تحكي الملاك طهارة
و ألحقها الموت الزؤام بمن عدا

لقد ظعنت تبغي لقاك كأنّما
ضربت لها قبل التفرّق موعدا

كأنّ لها نذرا أرادت قضاءه
كأنّك أنت الصوت جاوبه الصدى

مشت في طريق قد مشى فيه بعدها
فتاك الذي أعددت منه المهنّدا

فتى طاب أخلاقا و طاب محادا
و طاب فؤادا مثلما طاب محتدا

فتى كان مثل الغصن في عنفوانه
فللّه ذاك الغصن كيف تاوّدا

تعوّد أن يلقاك في كلّ بكرة
فكان قبيح ترك ما قد تعوّدا

فجعنا به كالبدر عند تمامه
و لم نر بدرا قبله الأرض وسّدا

فلم يبق طرف لم يسل دمعه دما
و لم يبق قلب في الملا ما تصعّدا

كوارث لو نابت جبالا شواهقا
لخرّت لها تلك الشواهق سجّدا

و لو أنّها في جلمد صار سائلا
و لو أنّها في سائل صار جلمدا

( أفهمي ) إنّ الصبر أليق بالفتى
و لا سيما من كان مثلك ( سيّدا )

فكن قدوة للصابرين فإنّما
بمثلك في دفع الملمّات يقتدى

لعمرك ما الأحزان تنفع ربّها
فيجمل بالمحزون أن يتجلّدا

فما وجد الإنسان إلا ليفقدا
و ما فقد الإنسان إلا ليوجدا

و ما أحد تنجو من الموت نفسه
و لو أنّه فوق السماكين أصعدا

فلا يحزن الباكي و لا تشمت العدا
فكل امريء ، يا صاح ، غايته الردى

© 2024 - موقع الشعر