بادٍ هَواكَ صَبَرتَ أَم لَم تَصبِرا - أبو الطيب المتنبي

بادٍ هَواكَ صَبَرتَ أَم لَم تَصبِرا "
" وَبُكاكَ إِن لَم يَجرِ دَمعُكَ أَو جَرى

كَم غَرَّ صَبرُكَ وَاِبتِسامُكَ صاحِبًا "
" لَمّا رَآه وَفي الحَشى مالا يُرى

أَمَرَ الفُؤادُ لِسانَهُ وَجُفونَهُ "
" فَكَتَمنَهُ وَكَفى بِجِسمِكَ مُخبِرا

تَعِسَ المَهاري غَيرَ مَهرِيٍّ غَدا "
" بِمُصَوَّرٍ لَبِسَ الحَريرَ مُصَوَّرا

نافَستُ فيهِ صورَةً في سِترِهِ "
" لَو كُنتُها لَخَفيتُ حَتّى يَظهَرا

لا تَترَبِ الأَيدي المُقيمَةُ فَوقَهُ "
" كِسرى مُقامَ الحاجِبَينِ وَقَيصَرا

يَقِيانِ في أَحَدِ الهَوادِجِ مُقلَةً "
" رَحَلَت فَكانَ لَها فُؤادِيَ مَحجِرا

قَد كُنتُ أَحذَرَ بَينَهُم مِن قَبلِهِ "
" لَو كانَ يَنفَعُ حائِنًا أَن يَحذَرا

وَلَوِ اِستَطَعتُ إِذِ اِغتَدَت رُوّادُهُمْ "
" لَمَنَعتُ كُلَّ سَحابَةٍ أَن تَقطُرا

فَإِذا السَحابُ أَخو غُرابِ فِراقِهِمْ "
" جَعَلَ الصِياحَ بَبينِهِم أَن يُمطِرا

وَإِذا الحَمائِلُ ما يَخِدنَ بِنَفنَفٍ "
" إِلاَّ شَقَقنَ عَلَيهِ ثَوبًا أَخضَرا

يَحمِلنَ مِثلَ الرَوضِ إِلاّ أَنَّها "
" أَسبى مَهاةً لِلقُلوبِ وَجُؤذُرا

فَبِلَحظِها نَكِرَت قَناتي راحَتي "
" ضَعفًا وَأَنكَرَ خاتِمايَ الخِنصِرا

أَعطى الزَمانُ فَما قَبِلتُ عَطاءَهُ "
" وَأَرادَ لي فَأَرَدتُ أَن أَتَخَيَّرا

أَرَجانَ أَيَّتُها الجِيادُ فَإِنَّهُ "
" عَزمي الَّذي يَذَرُ الوَشيجَ مُكَسَّرا

لَو كُنتُ أَفعَلُ ما اِشتَهَيتِ فِعالَهُ "
" ما شَقَّ كَوكَبُكِ العَجاجَ الأَكدَرا

أُمِّي أَبا الفَضلِ المُبِرِّ أَلِيَّتي "
" لَأُيَمِّمَنَّ أَجَلَّ بَحرٍ جَوهَرا

أَفتى بِرُؤيَتِهِ الأَنامُ وَحاشَ لي "
" مِن أَن أَكونَ مُقَصِّرًا أَو مُقصِرا

صُغتُ السِوارَ لأَيِّ كَفٍّ بَشَّرَتْ "
" بِاِبنِ العَميدِ وَأَيِّ عَبدٍ كَبَّرا

إِن لَم تُغِثني خَيلُهُ وَسِلاحُهُ "
" فَمَتى أَقودُ إِلى الأَعادي عَسكَرا

بِأَبي وَأُمّي ناطِقٌ في لَفظِهِ "
" ثَمَنُ تُباعُ بِهِ القُلوبُ وَتُشتَرى

مَن لا تُريهِ الحَربُ خَلْقًا مُقبِلاً "
" فيها وَلا خَلقٌ يَراهُ مُدبِرا

خَنثى الفُحولَ مِنَ الكُماةِ بِصَبغِهِ "
" ما يَلبَسونَ مِنَ الحَديدِ مُعَصفَرا

يَتَكَسَّبُ القَصَبُ الضَعيفُ بِكَفِّهِ "
" شَرَفًا عَلى صُمِّ الرِماحِ وَمَفخَرا

وَيَبينُ فيما مَسَّ مِنهُ بَنانُهُ "
" تيهُ المُدِلِّ فَلَو مَشى لَتَبَختَرا

يا مَن إِذا وَرَدَ البِلادَ كِتابُهُ "
" قَبلَ الجُيوشِ ثَنى الجُيوشَ تَحَيُّرا

أَنتَ الوَحيدُ إِذا اِرتَكَبتَ طَريقَةً "
" وَمَنِ الرَديفُ وَقَد رَكِبتَ غَضَنفَرا

قَطَفَ الرِجالُ القَولَ وَقتَ نَباتِهِ "
" وَقَطَفتَ أَنتَ القَولَ لَمّا نَوَّرا

فَهُوَ المُشَيَّعُ بِالمَسامِعِ إِن مَضى "
" وَهُوَ المُضاعَفُ حُسنُهُ إِنْ كُرِّرا

وَإِذا سَكَتَّ فَإِنَّ أَبلَغَ خاطِبٍ "
" قَلَمٌ لَكَ اِتَّخَذَ الأَصابِعَ مِنبَرا

وَرَسائِلٌ قَطَعَ العُداةُ سِحاءَها "
" فَرَأَوا قَنًا وَأَسِنَّةً وَسَنَوَّرا

فَدَعاكَ حُسَّدُكَ الرَئيسَ وَأَمسَكوا "
" وَدَعاكَ خالِقُكَ الرَئيسَ الأَكبَرا

خَلَفَت صِفاتُكَ في العُيونِ كَلامَهُ "
" كَالخَطِّ يَملَءُ مِسمَعَيْ مَن أَبصَرا

أَرَأَيتَ هِمَّةَ ناقَتي في ناقَةٍ "
" نَقَلَت يَدًا سُرُحًا وَخُفًّا مُجمَرا

تَرَكَت دُخانَ الرِّمثِ في أَوطانِها "
" طَلَبًا لِقَومٍ يوقِدونَ العَنبَرا

وَتَكَرَّمَت رُكَبَاتُها عَن مَبرَكٍ "
" تَقَعانِ فيهِ وَلَيسَ مِسكًا أَذفَرا

فَأَتَتكَ دامِيَةَ الأَظَلِّ كَأَنَّما "
" حُذِيَت قَوائِمُها العَقيقَ الأَحمَرا

بَدَرَت إِلَيكَ يَدَ الزَمانِ كَأَنَّها "
" وَجَدَتهُ مَشغولَ اليَدَينِ مُفَكِّرا*

مَن مُبلِغُ الأَعرابَ أَنّي بَعدَها "
" شاهَدتُ رَسطاليسَ وَالإِسكَندَرا

وَمَلِلْتُ نَحرَ عِشارِها فَأَضافَني "
" مَن يَنحَرُ البِدَرَ النُّضَارَ لِمَن قَرى

وَسَمِعتُ بَطْلَيْمُوسَ دارِسَ كُتبِهِ "
" مُتَمَلِّكًا مُتَبَدِّيًا مُتَحَضِّرا

وَلَقيتُ كُلَّ الفاضِلِينَ كَأَنَّما "
" رَدَّ الإِلَهُ نُفوسَهُم وَالأَعصُرا

نُسِقوا لَنا نَسَقَ الحِسابِ مُقَدَّمًا "
" وَأَتى فَذَلِكَ إِذ أَتيتَ مُؤَخَّرا

يا لَيتَ باكِيَةً شَجاني دَمعُها "
" نَظَرَت إِلَيكَ كَما نَظَرتُ فَتَعذِرا

وَتَرى الفَضيلَةَ لا تَرُدُّ فَضيلَةً "
" الشَمسَ تُشرِقُ وَالسَحابَ كَنَهوَرا

أَنا مِن جَميعِ الناسِ أَطيَبُ مَنْزِلاً "
" وَأَسَرُّ راحِلَةً وَأَربَحُ مَتجَرا

زُحَلٌ عَلى أَنَّ الكَواكِبَ قَومُهُ "
" لَو كانَ مِنكَ لَكانَ أَكرَمَ مَعشَرا

© 2024 - موقع الشعر