مَن لَيـسَ بِالباكـي وَلا المُتَباكـي - ابو إسحاق الألبيري

مَن لَيسَ بِالباكي وَلا المُتَباكي
لِقَبيحِ ما يَأتي فَلَيسَ بِزاكِ

نادَت بِيَ الدُنيا فَقُلتُ لَها اِقصِري
ما عُدَّ في الأَكياسِ مَن لَبّاكِ

وَلَمّا صَفا عِندَ الإِلَهِ وَلا دَنا
منهُ اِمرُؤٌ صافاكِ أَو داناكِ

مازِلتِ خادِعَتي بِبَرقٍ خُلَّبٍ
وَلَو اِهتَدَيتُ لَما اِنخَدَعتُ لِذاكِ

قالَت أَغَرَّكَ مِن جَناحِكَ طولُهُ
وَكَأَنَّ بِهِ قَد قُصَّ في أَشراكي

تَاللَهِ ما في الأَرضِ مَوضِعُ راحَةٍ
إِلّا وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ شِباكي

طِر كَيفَ شِئتَ فَأَنتَ فيها واقِعٌ
عانٍ بِها لايُرتَجى لِفَكاكِ

مَن كانَ يَصرَعُ قِرنَهُ في مَعرَكٍ
فَعَلَيَّ صَرعَتُهُ بِغَيرِ عِراكِ

ما أَعرِفُ العَضبَ الصَقيلَ وَلا القَنا
وَلَقَد بَطَشتُ بِذي السِلاحِ الشاكي

كَم ضَيغَمٍ عَفَّرتُهُ بِعَرينِهِ
وَلَكَم فَتَكتُ بِأَفتَكِ الفُتّاكِ

فَأَجَبتُها مُتَعَجِّباً مِن غَدرِها
أَجزَيتِ بِالبَغضاءِ مَن يَهواكِ

لَأَجَلتُ عَيني في بَنيكِ فَكُلَّهُم
أَسراكِ أَو جُرحاكِ أَو صَرعاكِ

لَو قارَضوكِ عَلى صَنيعُكِ فيهِمُ
قَطَعوا مَدى أَعمارِهِم بِقِلاكِ

طَمَسَت عُقولُهُم وَنورُ قُلوبِهِم
فَتَهافَتوا حِرصاً عَلى حَلواكِ

فَكَأَنَّهُم مِثلُ الذُبابِ تَساقَطَت
في الأَري حَتّى اِستُؤصِلوا بِهَلاكِ

لا كُنتِ مِن أُمٍّ لَنا أَكّالَةٍ
بَعدَ الوِلادَةِ ما أَقَلَّ حَياكِ

وَلَقَد عَهِدنا الأُمَّ تَلطُفُ بِاِبنِها
عَطفاً عَلَيهِ وَأَنتِ ما أَقساكِ

ما فَوقَ ظَهرِكِ قاطِنٌ أَو ظاعِنٌ
إِلّا سَيُهَشَمُ في ثِفالِ رَحاكِ

أَنتِ السَرابُ وَأَنتِ داءٌ كامِنٌ
بَينَ الضُلوعِ فَما أَعَزَّ دَواكِ

يُعصى الإِلَهُ إِذا أُطِعتِ وَطاعَتي
لِلَهِ رَبّي أَن أَشُقَّ عَصاكِ

فَرضٌ عَلَينا بِرُّنا أُمّاتِنا
وَعُقوقُهُنَّ مُحَرَّمٌ إِلّاكِ

ما إِن يَدومُ الفَقرُ فيكِ وَلا الغِنى
سِيّانُ فَقرُكِ عِندَنا وَغِناكِ

أَينَ الجَبابِرَةُ الأُلى وَرِياشُهُم
قَد باشَروا بَعدَ الحَريرِ ثَراكِ

وَلَطالَما رُدّوا بِأَردِيَةِ البَها
فَتَعَوَّضوا مِنها رِداءَ رَداكِ

كانَت وجوهُهُمُ كَأَقمارِ الدُجا
فَغَدَت مُسَجّاةً بِثَوبِ دُجاكِ

وَعَنَت لِقَيّومِ السَماواتِ العُلا
رَبِّ الجَميعِ وَقاهِرِ الأَملاكِ

وَجَلالِ رَبّي لَو تَصِحُّ عَزائِمي
لَزَهِدتُ فيكِ وَلَاِبتَغَيتُ سِواكِ

وَأَخَذتُ زاديَ مِنكِ مَن عَمَلِ التُقى
وَشَدَدتُ إيماني بِنَقضِ عُراكِ

وَحَطَطتُ رَحلي تَحتَ أَلوِيَةِ الهُدى
وَلَمّا رَآني اللَهُ تَحتَ لِواكِ

مَهلاً عَلَيكِ فَسَوفَ يَلحَقُكِ الفَنا
فَتُري بِلا أَرضٍ وَلا أَفلاكِ

وَيُعيدُنا رَبٌّ أَماتَ جَميعَنا
لِيَكونَ يُرضي غَيرَ مَن أَرضاكِ

وَاللَهِ ما المَحبوبُ عِندَ مَليكِهِ
إِلّا لَبيبٌ لَم يَزَل يَشناكِ

هَجرَ الغَواني واصِلاً لِعَقائِلٍ
يَضحَكنَ حُبّاً لِلوَلِيَّ الباكي

إِنّي أَرِقتُ لَهُنَّ لا لِحَمائِمٍ
تَبكي الهَديلَ عَلى غُصونِ أَراكِ

لا عَيشَ يَصفو لِلمُلوكِ وَإِنَّما
تَصفو وَتُحمَدُ عيشَةُ النُسّاكِ

وَمِنَ الإِلَهِ عَلى النَبِيِّ صَلاتُهُ
عَدَدَ النُجومِ وَعِدَّةَ الأَملاكِ

© 2024 - موقع الشعر