الرحلات القصية - مظفر النواب

لكل نديم يؤرق.. والقلب ملّ نديمة
كأني عشق تذوق.. طعم الهزيمة
دخلت وراء السياج
فآه من الذل في نفحة الياسمين
زكي
 
ويعرف كل الدروب القديمة
 
وآه من العمر بين الفنادق
 
لا يستريح
 
أرحني قليلاً فإني بدهري جريح
 
لكم نضج العنب المتأخر
 
وانطرقت بعض حباته
 
كن يداً أيها الحزن
 
وأقطف
 
ولا تك ريح
 
رمتني الرياح بعيداً عن النهر
 
فاكتشفت بذرتي نهرها
 
غطت الدرب
 
والفتية المنتمين الى اللعب
 
والخطر البرتقالي في حدقات الزقاق
 
وتدخل غرفة نومي
 
وهذي رسومي.. وهذا صباي الحزين
 
وتلك مراهقتي في شبابيكها.. ولهاث السفرجل
 
والشوق قد كبر عشرين عاماً
 
وصار اشتياق
 
وما من دموع أداوي بها
 
حضرات الهموم
 
إلا قميصي.. وقلبي.. وكلمة حزن
 
نساها الرفاق
 
تفتق حزن غداة افترقنا
 
ولست على أحد نادماً
 
غير قلبي
 
فقد عاش حباً معاق
 
أحلق وحدي بطائرة
 
كل ركابها نزلوا في مطار غريب
 
وأعطس في البرد
 
لا طاقماً.. لا مضيفة.. لا مطارات حب سأنزل فيها..
 
ولا بلداً عربياً
 
يكون تبرأ مني الزمان الحبيب
 
لكم كان يكفي قليل من الورق الناعم البالي
 
أصنع طائرتي وأهيم بها في الطفولة
 
والناس مثل الطفولة صحو
 
يغني به عندليب
 
وتلك النوايا الصغيرة جداً
 
تمر البساتين فيها
 
وتبني قناطرها
 
والكلاب الصغيرة تركض في فروها الليلكي
 
وراء نحاس المغيب
 
وفستان نون على شفتي.. مراهقة قبلتني
 
لأني طفل ولا أفهم الرحلات القصية
 
ما زلت طفلاً تهجأت
 
أو يتهجأ قلبي طيب
 
وأتقنت أقرأ مثل الكفيف
 
بهذي الأصابع.. خصراً وكسراته
 
فإذا ضمني مثله لم أعد معرباً
 
بل بناء رهيب
 
لقد قدموني الحروف الى النون
 
ثم اكتفوا
 
فبقيت رضيعاً
 
وعين على الواو والياء أيتها الأحرف العربية
 
فالهاء حرف عجيب
 
وأمد الخيوط وطائرتي تسمع النبض
 
عبر خيوطي
 
وفي اللازورد سماوي
 
في طرب تستجيب
 
وقد يعلق الخيط بمدخنة لرخيص قديم
 
فيحفل من رقة الخيط
 
هذا زمان دنيء كئيب
 
وأخجل أسحب خيط حد الهزيمة
 
كفى تنفخين رماداً
 
تقصدت ان أحرق القلب مستعجلاً
 
فاني على النور بعض النميمة
 
لكم كنت كالورق الناعم البالي
 
حد الجريمة
 
لقد خربش الحب أمسي
 
وقد خرجت خربشات الهوى لغدي
 
والتقت عند تلك المصاطب والسوي
 
والحانة المستديمة
 
هنالك مصطبة في النوارس
 
يطمرها القش والليل
 
كنت أحب عليها.. وأنسى عليها
وأربط طيارتي والسياسة.. والعشق
 
وقد اقتلعتها الدهور الأثيمة
أعيد المصاطب قاطبة بيدي
 
اذا انتصر النهر والناس
 
أدهنها عبر مصطبتي
 
سوف أتركها مثلما هي كانت قديمة
 
كما وسختها العصافير
 
والنسنسات التي يترك العشق.. والسحر.. والصيف..
 
قبل نهايته
 
والقوارب بيضاء في آخر النهر
 
في مسحة من ضباب
 
رحيمة وأغفوا عليها
 
وزران قد قطعا من قميصي
 
ليخرج قلبي متى ما أووا
 
الى دجلة يتبرج ثم يعود
 
يمارس نفس الهوى الخطيئة
 
بل والجريمة
 
وأغسل عني الذي زور الملحقون بكل الدوائر
 
إذ وجدوا القلب
 
دائرتي وحده
 
وبه أتحدى ومنه العزيمة
 
وأقرأ ثانية بالأصابع خصراً
 
تعشقته والقراءة أتأتئ
 
وان كثر الكسر
 
والتأتآت سليمة.....
© 2024 - موقع الشعر