كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرّهِ - ابن معتوق

كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرّهِ
وَصَحَا فَحَيَّاهُ النَّسِيمُ بِخَمْرِهِ

وَصَغَى إِلَى رَجْعِ الْحَمَامِ بِسَجْعِهِ
فَأَهَاجَتِ الْبَلْوَى بَلاَبِلُ صَدْرِهِ

وسقتهُ ممرضة ُ الجفونِ فقلبهُ
صَاحٍ يُرَقِّصُهُ الْخُفُوقُ لِسُكْرِهِ

وَنَسَجْنَ دِيْبَاجَ السَّقَامِ لِجسْمِهِ
بيضُ الخصورِ فسربلتهُ بصفرهِ

ووشتْ لهُ سودُ العيونِ بهدبها
وَشْيَ الْحَمَامِ فَقَمَّصَتْهُ بِحُمْرِهِ

وحلالهُ في الحبِّ خلعُ عذارهِ
فَجَلاَ ظَلاَمَ الْعَدْلِ نَيِّرُ عُذْرِهِ

وَدَنَا الْفِرَاقُ وَكَانَ يَبْخُلُ قَبْلَهُ
بلجينِ مدمعهِ فجادَ بتبرهِ

وَبَدَا لَهُ بَرْقُ الْعَقِيقِ فَظَنَّهُ
بيضَ الثّنايا وهي لمعة ُ تبرهِ

وَرَأَى بِهَاشِبْهَ الْنُّجُومِ فَخَالَهَا
قبساتِ نارٍ وهيَ أوجهُ غرّهِ

للهِ أيّامُ العقيقِ وحبّذا
أَوْقَاتُ لَذَّاتٍ مَضَتْ فِي عَصْرِهِ

ثغرٌ يجابُ صهيلهُ بصهيلهِ
ويجيبُ باغمهُ الهِزبرُ بزأرهِ

تَحْمِي أُسُودُ الْغَابِ خِشْفَ كِنَاسِهِ
وَيَضُّمُ رِيشُ النَّبْلِ بَيْضَة َ خِدْرِهِ

لا فرقَ بينَ وصولِ قناتهِ
لِلطَّالِبِينَ وَبَيْنَ هَالَة ِ بَدْرِهِ

أقمارهُ حملتْ أهلَّة َ بيضهِ
وشموسهُ حرِستْ بأنجمِ سمرهِ

حرمٌ منيعُ الحيِّ قدْ كمنَ الرّدى
بِجُفُونِ شَادِنِهِ وَنَابِ هِزَبْرِهِ

هو ملعبُ البيضِ الحوالي فالتقطْ
مِنْهُ الْلآلِي وَانْتَشِقْ مِنْ عِطْرِهِ

إياكَ تقربُ وردَ منهلِ حيّهِ
فَالْمَوْتُ مَمْزُوجٌ بِجَرْعَة ِ خُصْرِهِ

تَهَبُ الظُّمَاة ُ بِهِ لَطَالُوتَ الْرَّدَى
بحرَ النّجيعِ بغرفة ٍ من نهرهِ

سل يا حماكَ اللهُ عن خبرِ الحمى
نفسَ الشّمالِ فقدْ طواهُ بنشرهِ

وَاسْتَخْبِرِ الْبَرْقَ الضَّحُوكَ إِذَا انْبَرَى
شطرَ اللوى عمّن حكاهُ بثغرهِ

يا حبّذا المتحمّلونَ وإنهمْ
سَلَبُوا فُؤَادَ الصَّبِ مَلْبَسَ صَبْرِهِ

لَوْلاَ انْتِظَامُ الدُّرِّ بَيْنَ شِفَاهِهِمْ
ما جادَ ناظمُ عبرتي في نثرهِ

وَبِمُهْجَتِي الرَّكْبُ الْمُعَرَّضُ لِلْحِمَى
وبدورُ تمٍّ في أكلّة ِ سفرهِ

جَعَلُوا عَلَيَّ بَقَاءَ رُوحِي مِنَّة
أو ما رآها ركبهم في إثرهِ

كَيْفَ الْبَقَاءُ وَفِي غَفَائِرِ بِيضِهِمْ
ساروا عنْ المضنى بأليلِ عمرهِ

لاَ تَطْلُبَنَّ الْقَلْبَ بَعْدَ رَحِيلِهِمْ
منّي فقد ذهبَ الأسيرُ بأسرهِ

قَالُوا الْفِرَاقُ غَداً فَلاَحَ لِنَاظِرِي
صُوَرُ الْمَنَايَا فِي سُحَيِّرِ فَجْرِهِ

يَا لَيتَ يَوْمَ الْبَيْنِ مِنْ قَبْلِ الْنَّوَى
لم تسمحِ الدنيا بمولدِ شهرهِ

يوماً علينا بالكآبة ِ والأسى
شَهِدَتْ جَوَارِحُنَا بِمَوْقِفِ حَشْرِهِ

كيفَ السلوُّ وليسَ صبرُ أخي الهوى
إلا كحظِ أخي النّهى في دهرهِ

فإلى مَ أرى الدّهرَ ينجزُ بالوفا
وعدي فتعرضُ لي مكايدُ الغدرِ

لا شيء أوهى من مواعدهِ سوى
دعوى شريكِ أبي الحسينِ بفجرهِ

مَلِكٌ إِذَا حَدَثُ الزَّمَانِ لَنَا قَضَى
أمضى مضارعهُ بصيغة ِ أمرهِ

فرعٌ إلى نحوِ العلا يسموبهِ
أصلٌ رسا بينَ النبيِّ وصهرهِ

نُورٌ إِذَا مَا بِالْوَصِيِّ قَرَنْتَهُ
أيقنتَ أنَّ ظهورهُ من ظهرهِ

حُرٌّ لَوْ انْتَظَمَتْ مَفَاخِرُ هَاشِمٍ
بِقِلاَدَة ٍ لَرَأَيْتَهَا فِي نَحْرِهِ

لاَيُدْرِكَنَّ مَدِيحَهُ لَسِنٌ وَلَوْ
نَظَمَ الْكَوَاكِبَ في قَلاَئِدِ شِعْرِهِ

للهِ بينَ بيانهِ وبنانهِ
كَنْزٌ أَفَادَ السَّائِلِينَ بِدُرِّهِ

لو كان للبحرِ الخضمِّ سماحهُ
لم يحزنِ الدّرُّ اليتيمُ بقعرهِ

سمحٌ لو أنَّ النيرانَ جواهرٌ
قذفت بها للوفدِ لجة ُ بحرهِ

يعطي ويحتقرُ النّوالَ وإن سما
فَيَرَى الثُّرَيَّا فِي أَصَاغِرِ صَرِّهِ

خطبَ العلا فتطلّقَتْ أموالهُ
مِنْهُ وَزَوَّجَهُ النَّوَالُ بِبِكْرِهِ

تا للهِ ما سيفُ الرّدى بيدِ القضا
يَوْماً بِأَفْتَكَ مِنْ نَدَاهُ بِوَفْرِهِ

لو تلمسُ الصّخرَ الأصمَّ يمينه
لَتَفَجَّرَتْ بِالْعَذْبِ أَعْيُنُ صَخْرِهِ

فَتَلَتْ مَهَابَتُهُ الْعَدُوَّ مخَافَة
فكفت صوارمهُ أسنّة ُ ذعرهِ

بَطَلٌ إِذَا فِي الضَّرْبِ أَلْهَبَ مَارِقاً
خِلْتَ الْكَوَاكِبَ مِنْ تَطَايُرِ جَمْرِهِ

فسلاح ليلِ الحتفِ مخلبُ سيفهِ
وَجَنَاحٌ طَيْرِ الْنُّحجِ رَايَة ُ نَصْرِهِ

بَحْرٌ إِذَا خَاضَتْهُ أَفْكَارُ الْوَرَى
غرقَتْ بهِ قبلَ البلوغِ لعبرهِ

فَطِنٌ يَكَادُ اللَّيْلُ يُشْرِقُ كَالْضُّحَى
لَوْ أَنَّ فِكْرَتَهُ تَمُرُّ بِفِكْرِهِ

آيُ الفصاحة ِ إن يخطَّ يراعهُ
لم تبدُ أنجمها بظلمة ِ حبرهِ

تركَ المواكبَ كالكواكبِ فاهتدى
فِيْهِنَّ مَنْ يَسْرِي لِمَشْرِقِ يُسْرِهِ

غَيْثٌ يَكَادُ الْتِّبْرُ يَنْبُتُ بِالْرُّبَى
كَالنَّوْرِ لَوْ وُسِمَتْ بِلُؤْلُوءِ قَطْرِهِ

لَوْ أَنَّ لِلأَعْنَاقِ مِنْهَا أَلْسُناً
نَطَقَتْ بِأَفْوَاهِ الْجُيُوْبِ بِشُكْرِهِ

لَمْ يَغْشَ وَجْهَ الأُفْقِ حَتَّى يَنْطَوِي
كَلَفُ الدُّجَى لَوْ حَازَ رَوْنَقَ بِشْرِهِ

سامٍ يمدُّ إلى العلا باعاً طوتْ
مَجْرَى الدَّرَارِي الْسَبْعِ خُطْوَة ُ بِشْرِهِ

من آلِ حيدرة َ الألى ازدانَ العلا
فِيْهِمْ كَمَا ازْدَانَ الرَّبِيْعُ بِزَهْرِهِ

غرٌّ إذا منهمْ تولَّدَ كوكبٌ
حَسَدَتْ شُمُوْسُ الأُفْقِ مَفْخَرَ ظِئْرِهِ

نفرٌ لو أنّهمْ جلوا أحسابهمْ
فِي اللَّيْلِ لاشْتَبَهَتْ بِأَضْوإِ زَهْرِهِ

منْ كلِّ أبلجَ في ذيولِ قماطهِ
عَلِقَ الْعُلاَ وَنَشَا الْسَّمَاحُ بِحِجْرِهِ

لم يبطكِ وهوَ على حشيّة ِ مهدهِ
إِلاَّ لُحِبِّ رُكُوْبِ صَهْوَة ِ مُهْرِهِ

للهِ دركَ يا عليُّ ففصلهمْ
بكَ فصِّلتْ ’آياتُ محكمِ ذكرهِ

أَللهُ حَسْبُكَ كَيْفَ سِرْتَ إِلَى الْعُلاَ
ما بينَ أنيابِ الحمامِ وظفرهِ

لولاكَ قدسُ المجدِ أصبحَ طورهُ
دَكّاً يَمُوْجُ وَخَرَّ مُوْسَى قَدْرِهِ

قامت بنجدتهِ سيوفكَ فاغتدتْ
بالنّصرِ تبسمُ كالثّغورِ بثغرهِ

جرّدتها فرجمتَ شيطانَ العدا
بنجومها ودحرتَ ماردَ شرّهِ

قُضُبٌ إِذَا رَأَتِ الأُسُوْدُ فِرِنْدَهَا
شَهِدَتْ مَنَايَاهَا بِأَيْدِيْ ذَرِّهِ

مَوْلاَيَ سَمْعاً مِنْ رَقِيْقِكَ مِدْحَة
هِيَ بِنْتُ فِكْرَتِهِ وَدُمْيَة ُ قَصْرِهِ

بِكْرٌ يُحجِّبُهَا الْجَمَالُ وَإِنْ بَدَتْ
ويصونها بدرُ الدلالِ بسترهِ

لَوْ كَانَ تَخْطِبُهَا الْنُّجُوْمُ لِبَدْرِهَا
حاشاكَ لمْ تعطِ القبولَ لمهرهِ

فَاسْتَجْلِهَا عَذْرَاءَ هَذَّبَ لَفْظَهَا
طبعٌ أرقُّ منَ النسيمِ بمرّهِ

وليهنكَ الشّهرُ المباركُ صومهُ
وَجَزَاكَ رَبُّكَ عَنْهُ أَفْضَلَ أَجْرِهِ

شهرُ لو أنَّ منَ الورى أوقاتهُ
عُدَّتْ لَرُحْتَ وَأَنْتَ لَيْلَة ُ قَدْرِهِ

واسعدْ بعيدٍ أنتَ لنا مثلهُ
وَافْطُرْ قُلُوْبَ المُعْتَدِيْنَ بِفِطْرِهِ

© 2024 - موقع الشعر