ما لِلمُدامِ تُديرُها عَيناكِ - ابن زيدون

ما لِلمُدامِ تُديرُها عَيناكِ
فَيَميلُ في سُكرِ الصِبا عِطفاكِ

هَلّا مَزَجتِ لِعاشِقيكِ سُلافَها
بِبَرودِ ظَلمِكِ أَو بِعَذبِ لَماكِ

بَل ما عَلَيكِ وَقَد مَحضتُ لَكِ الهَوى
في أَن أَفوزَ بِحُظوَةِ المِسواكِ

ناهيكِ ظُلماً أَن أَضَرَّ بِيَ الصَدى
بَرحاً وَنالَ البُرءَ عودُ أَراكِ

واهاً لِعَطفِكِ وَالزَمانُ كَأَنَّما
صُبِغَت غَضارَتُهُ بِبُردِ صِباكِ

وَاللَيلُ مَهما طالَ قَصَّرَ طولَهُ
هاتي وَقَد غَفَلَ الرَقيبُ وَهاكِ

وَلَطالَما اِعتَلَّ النَسيمُ فَخِلتُهُ
شَكوايَ رَقَّت فَاِقتَضَت شَكواكِ

إِن تَألَفي سِنَةَ النَؤومِ خَلِيَّةً
فَلَطالَما نافَرتِ فِيَّ كَراكِ

أَو تَحتَبي بِالهَجرِ في نادي القِلى
فَلَكَم حَلَلتُ إِلى الوِصالِ حُباكِ

أَمّا مُنى نَفسي فَأَنتِ جَميعُها
يا لَيتَني أَصبَحتُ بَعضَ مُناكِ

يَدنو بِوَصلِكِ حينَ شَطَّ مَزارُهُ
وَهمٌ أَكادُ بِهِ أُقَبِّلُ فاكِ

وَلَئِن تَجَنَّبتِ الرَشادَ بِغَدرَةٍ
لَم يَهوِ بي في الغَيِّ غَيرُ هَواكِ

لِلجَهورِيِّ أَبي الوَليدِ خَلائِقٌ
كَالرَوضِ أَضحَكَهُ الغَمامُ الباكي

مَلِكٌ يَسوسُ الدَهرَ مِنهُ مُهَذَّبٌ
تَدبيرُهُ لِلمُلكِ خَيرُ مِلاكِ

جارى أَباهُ بَعدَما فاتَ المَدى
فَتَلاهُ بَينَ الفَوتِ وَالإِدراكِ

شَمسُ النَهارِ وَبَدرُهُ وَنُجومُهُ
أَبناؤُهُ مِن فَرقَدٍ وَسِماكِ

يَستَوضِحُ السارونَ زُهرَ كَواكِبٍ
مِنهُم تُنيرُ غَياهِبَ الأَحلاكِ

بُشراكِ يا دُنيا وَبُشرانا مَعاً
هَذا الوَزيرُ أَبو الوَليدِ فَتاكِ

تُلفى السِيادَةُ ثَمَّ إِن أَضلَلتِها
وَمَتى فَقَدتِ السَروَ فَهوَ هُناكِ

وَإِذا سَمِعتِ بِواحِدٍ جُمِعَت لَهُ
فِرَقُ المَحاسِنِ في الأَنامِ فَذاكِ

صَمصامُ بادِرَةٍ وَطَودُ سَكينَةٍ
وَجَوادُ غاياتٍ وَجِذلُ حِكاكِ

طَلقٌ يُفَنَّدُ في السَماحِ وَجاهِلٌ
مَن يَستَشِفَّ النارَ بِالمِحراكِ

صَنَعُ الضَميرِ إِذا أَجالَ بِمُهرَقٍ
يُمناهُ في مَهَلٍ وَفي إيشاكِ

نَظَمَ البَلاغَةَ في خِلالِ سُطورِهِ
نَظمَ اللَآلي التومِ في الأَسلاكِ

نادى مَساعِيَهُ الزَمانُ مُنافِساً
أَحرَزتِ كُلَّ فَضيلَةٍ فَكَفاكِ

ما الوَردُ في مَجناهُ سامَرَهُ النَدى
مُتَحَلِّياً إِلّا بِبَعضِ حُلاكِ

كَلّا وَلا المِسكُ النَمومُ أَريجُهُ
مُتَعَطِّراً إِلّا بِوَسمِ ثَناكِ

اللَهوُ ذِكرُكِ لا غِناءُ مُرَجِّعٍ
يَفتَنُّ في الإِطلاقِ وَالإِمساكِ

طارَت إِلَيكِ بِأَولِيائِكِ هِزَّةٌ
تَهفو لَها أَسَفاً قُلوبُ عِداكِ

يا أَيُّها القَمَرُ الَّذي لِسَنائِهِ
وَسَناهُ تَعنو السَبعُ في الأَفلاكِ

فَرَحُ الرِياسَةِ إِذ مَلَكتَ عِنانَها
فَرَحُ العَروسِ بِصِحَّةِ الإِملاكِ

مَن قالَ إِنَّكَ لَستَ أَوحَدَ في النُهى
وَالصالِحاتِ فَدانَ بِالإِشراكِ

قَلِّدنِيَ الرَأيَ الجَميلَ فَإِنَّهُ
حَسبي لِيَومَي زينَةٍ وَعِراكِ

وَإِذا تَحَدَّثَتِ الحَوادِثُ بِالرَنا
شَزراً إِلَيَّ فَقُل لَها إِيّاكِ

هُوَ في ضَمانِ العَزمِ يَعبِسُ وَجهُهُ
لِلخَطبِ وَالخُلُقِ النَدي الضَحّاكِ

وَأَحَمَّ دارِيٍّ تَضاعَفَ عِزُّهُ
لَمّا أُهينَ بِمِسحَقٍ وَمَداكِ

وَالدَجنُ لِلشَمسِ المُنيرَةِ حاجِبٌ
وَالجَفنُ مَثوى الصارِمِ الفَتّاكِ

هَنَأَتكَ صِحَّتُكَ الَّتي لَو أَنَّها
شَخصٌ أُحاوِرُهُ لَقُلتُ هَناكِ

دامَت حَياتُكَ ما اِستُدِمتَ فَلَم تَزَل
تَحيا بِكَ الأَخطارُ بَعدَ هَلاكِ

© 2024 - موقع الشعر