هَلِ النِداءُ الَّذي أَعلَنتُ مُستَمَعُ - ابن زيدون

هَلِ النِداءُ الَّذي أَعلَنتُ مُستَمَعُ
أَم في المِئاتِ الَّتي قَدَّمتُ مُنتَفَعُ

إِنّي لَأَعجَبُ مِن حَظٍّ يُسَوِّفُ بي
كَاليَأسِ مِن نَيلِهِ أَن يَجذِبَ الطَمَعُ

تَأبى السُكونَ إِلى تَعليلِ دَهرِيَ لي
نَفسٌ إِذا خودِعَت لَم تُرضِها الخُدَعُ

لَيسَ الرُكونُ إِلى الدُنيا دَليلَ حِجىً
فَإِنَّها دُوَلٌ أَيّامُها مُتَعُ

تَأتي الرَزايا نِظاماً مِن حَوادِثِها
إِذِ الفَوائِدُ في أَثنائِها لُمَعُ

أَهلُ النَباهَةِ أَمثالي لِدَهرِهِمُ
بِقَصرِهِم دونَ غاياتِ المُنى وَلَعُ

لَولا بَنو جَهوَرٍ ما أَشرَقَت هِمَمي
كَمِثلِ بيضِ اللَيالي دونَها الدُرَعُ

هُمُ المُلوكُ مُلوكُ الأَرضِ دونَهُمُ
غيدُ السَوالِفِ في أَجيادِها تَلَعُ

مِنَ الوَرى إِن يَفوقوهُم فَلا عَجَبٌ
كَذَلِكَ الشَهرُ مِن أَيّامِهِ الجُمَعُ

قَومٌ مَتى تَحتَفِل في وَصفِ سُؤدُدِهِم
لا يَأخُذِ الوَصفُ إِلّا بَعضَ ما يَدَعُ

تَجَهَّمَ الدَهرُ فَاِنصاتَت لَهُم غُرَرٌ
ماءُ الطَلاقَةِ في أَسرارِها دُفَعُ

باهَت وُجوهُهُمُ الأَعراضَ مِن كَرَمٍ
فَكُلَّما راقَ مَرأىً طابَ مُستَمَعُ

سَروٌ تَزاحَمُ في نَظمِ المَديحِ لَهُ
مَحاسِنُ الشِعرِ حَتّى بَينَها قُرَعُ

أَبو الوَليدِ قَدِ اِستَوفى مَناقِبَهُم
فَلِلتَفاريقِ مِنها فيهِ مُجتَمَعُ

هُوَ الكَريمُ الَّذي سَنَّ الكِرامُ لَهُ
زُهرَ المَساعي فَلَم تَستَهوِهِ البِدَعُ

مِن عِترَةٍ أَوهَمَتهُ في تَعاقُبِها
أَنَّ المَكارِمَ إيصاءً بِها شِرَعُ

مُهَذَّبٌ أَخلَصَتهُ أَوَّلِيَّتُهُ
كَالسَيفِ بالَغَ في إِخلاصِهِ الصَنَعُ

إِنَّ السُيوفَ إِذا ما طابَ جَوهَرُها
في أَوَّلِ الطَبعِ لَم يَعلَق بِها طَبَعُ

جَذلانُ يَستَضحِكُ الأَيّامَ عَن شِيَمٍ
كَالرَوضِ تَضحَكُ مِنهُ في الرُبى قِطَعُ

كَالبارِدِ العَذبِ لَذَّت مِن مَوارِدِهِ
لِشارِبٍ غِبَّ تَبريحِ الصَدى جُرَعُ

قُل لِلوَزيرِ الَّذي تَأميلُهُ وَزَري
إِن ضاقَ مُضطَرَبٌ أَو هالَ مُطَّلَعُ

أَصِخ لِهَمسِ عِتابٍ تَحتَهُ مِقَةٌ
وَكَلِّفِ النَفسَ مِنها فَوقَ ما تَسَعُ

ما لِلمَتابِ الَّذي أَحصَفتَ عُقدَتَهُ
قَد خامَرَ القَلبَ مِن تَضييعِهِ جَزَعُ

لي في المُوالاةِ أَتباعٌ يَسُرُّهُمُ
أَنّي لَهُم في الَّذي نُجزى بِهِ تَبَعُ

أَلَستُ أَهلَ اِختِصاصٍ مِنكَ يُلبِسُني
جَمالَ سيماهُ أَم ما فِيَّ مُصطَنَعُ

لَم أوتِ في الحالِ مِن سَعيي لَدَيكَ وَنىً
بَل بِالجُدودِ تَطيرُ الحالُ أَو تَقَعُ

لا تَستَجِز وَضعَ قَدَري بَعدَ رَفعِكَهُ
فَاللَهُ لا يَرفَعُ القَدرَ الَّذي تَضَعُ

تَقَدَّمَت لَكَ نُعمى رادَها أَمَلي
في جانِبٍ هُوَ لِلإِنسانِ مُنتَجَعُ

ما زالَ يونِقُ شُكري في مَواقِعِها
كَالمُزنِ تونِقُ في آثارِهِ التُرَعُ

شُكرٌ يَروقُ وَيُرضي طيبُ طُعمَتِهِ
في طَيِّهِ نَفَحاتٌ بَينَها خِلَعُ

ظَنَّ العِدا إِذ أَغَبَّت أَنَّها اِنقَطَعَت
هَيهاتَ لَيسَ لِمَدِّ البَحرِ مُنقَطَعُ

لا بَأسَ بِالأَمرِ إِن ساءَت مَبادِءُهُ
نَفسَ الشَفيقِ إِذا ما سَرَّتِ الرُجَعُ

إِنَّ الأُلى كُنتُ مِن قَبلِ اِفتِضاحِهِمِ
مِثلَ الشَجا في لُهاهُم لَيسَ يُنتَزَعُ

لَم أَحظَ إِذ هُم عِداً بادٍ نِفاقُهُمُ
إِلّا كَما كُنتُ أَحظى إِذ هُمُ شِيَعُ

ما غاظَهُم غَيرَ ما سَيَّرتُ مِن مِدَحٍ
في صائِكِ المِسكِ مِن أَنفاسِها فَنَعُ

كَم غُرَّةٍ لي تَلَقَتّها قُلوبُهُمُ
كَما تَلَقّى شِهابَ الموقِدِ الشَمَعُ

إِذا تَأَمَّلتَ حُبّي غِبَّ غَشِّهِمِ
لَم يَخفَ مِن فَلَقِ الإِصباحِ مُنصَدِعُ

تِلكَ العَرانينُ لَم يَصلُح لَها شَمَمٌ
فَكانَ أَهوَنَ ما نيلَت بِهِ الجَدَعُ

أَودَعتَ نُعماكَ مِنهُم شَرَّ مُغتَرَسٍ
لَن يَكرُمَ الغَرسُ حَتّى تُكرَمُ البُقَعُ

لَقَد جَزَتهُم جَوازي الدَهرِ عَن مِنَنٍ
عَفَت فَلَم يَثنِهِم عَن غَمطِها وَرَعُ

لا زالَ جَدُّكَ بِالأَعداءِ يَصرَعُهُم
إِن كانَ بَينَ جُدودِ الناسِ مُصطَرَعُ

© 2024 - موقع الشعر