أَثَرتَ هِزَبرَ الشَرى إِذ رَبَض - ابن زيدون

أَثَرتَ هِزَبرَ الشَرى إِذ رَبَض
وَنَبَّهتَهُ إِذ هَدا فَاغتَمَض

وَما زِلتَ تَبسُطُ مُستَرسِلاً
إِلَيهِ يَدَ البَغيَ لَمّا انقَبَض

حَذارِ حَذارِ فَإِنَّ الكَريمَ
إِذا سيمَ خَسفاً أَبى فَاِمتَعَض

فَإِنَّ سُكونَ الشُجاعِ النَهوسِ
لَيسَ بِمانِعِهِ أَن يَعَضّ

وَإِنَّ الكَواكِبَ لا تُستَزَلُّ
وَإِنَّ المَقاديرَ لا تُعتَرَض

إِذا ريغَ فَليَقتَصِد مُسرِفٌ
مَساعٍ يُقَصِّرُ عَنها الحَفَض

وَهَل وارِدُ الغَمرِ مِن عِدِّهِ
يُقاسُ بِهِ مُستَشِفُّ البَرَض

إِذا الشَمسُ قابَلتَها أَرمَداً
فَحَظُّ جُفونِكَ في أَن تُغَضّ

أَرى كُلَّ مُجرٍ أَبا عامِرٍ
يُسَرُّ إِذا في خَلاءٍ رَكَض

أُعيذُكَ مِن أَن تَرى مِنزَعي
إِذا وَتَري بِالمَنايا انقَبَض

فَإِنّي أَلينُ لِمَن لانَ لي
وَأَترُكُ مَن رامَ قَسري حَرَض

وَكَم حَرَّكَ العُجبُ مِن حائِنٍ
فَغادَرتُهُ ما بِهِ مِن حَبَض

أَبا عامِرٍ أَينَ ذاكَ الوَفاءُ
إِذِ الدَهرُ وَسنانُ وَالعَيشُ غَضّ

وَأَينَ الَّذي كُنتَ تَعتَدُّ مِن
مُصادَقَتي الواجِبَ المُفتَرَض

تَشوبُ وَأَمحَضُ مُستَبقِياً
وَهَيهاتَ مَن شابَ مِمَّن مَحَض

أَبِن لي أَلَم أَضطَلِع ناهِضاً
بِأَعباءِ بِرِّكَ فيمَن نَهَض

أَلَم تَنشَ مِن أَدَبي نَفحَةً
حَسِبتَ بِها المِسكَ طيباً يُفَضّ

أَلَم تَكُ مِن شيمَتي غادِياً
إِلى تُرَعٍ ضاحَكَتها فُرَض

وَلَولا اختِصاصُكَ لَم أَلتَفِت
لِحالَيكَ مِن صِحَّةٍ أَو مَرَض

وَلا عادَني مِن وَفاءٍ سُرورٌ
وَلا نالَني لِجَفاءٍ مَضَض

يَعِزُّ اِعتِصارُ الفَتى وارِداً
إِذا البارِدُ العَذبُ أَهدى الجَرَض

عَمَدتَ لِشِعري وَلَم تَتَّئِب
تُعارِضُ جَوهَرَهُ بِالعَرَض

أَضاقَت أَساليبُ هَذا القَريضِ
أَم قَد عَفا رَسمُهُ فَاِنقَرَض

لَعَمري لَفَوَّقتَ سَهمَ النِضالِ
وَأَرسَلتَهُ لَو أَصَبتَ الغَرَض

وَشَمَّرتَ لِلخَوضِ في لُجَّةٍ
هِيَ البَحرُ ساحِلُها لَم يُخَض

وَغَرَّكَ مِن عَهدِ وَلّادَةٍ
سَرابٌ تَراءى وَبَرقٌ وَمَض

تَظُنُّ الوَفاءَ بِها وَالظُنونُ
فيها تَقولُ عَلى مَن فَرَض

هِيَ الماءُ يَأبى عَلى قابِضٍ
وَيَمنَعُ زُبدَتَهُ مَن مَخَض

وَنُبِّئتُها بَعدِيَ اِستُحمِدَت
بِسِرّي إِلَيكَ لِمَعنىً غَمَض

أَبا عامِرٍ عَثرَةً فَاِستَقِل
لِتُبرِمَ مِن وُدِّنا ما اِنتَفَض

وَلا تَعتَصِم ضَلَّةً بِالحِجاجِ
وَسَيِّم فَرُبَّ اِحتِجاجٍ دُحِض

وَإِلّا اِنتَحَتكَ جُيوشُ العِتابِ
مُناجِزَةً في قَضيضٍ وَقَضّ

وَأَنذِر خَليلَكَ مِن ماهِرٍ
بِطِبِّ الجُنونِ إِذا ما عَرَض

كَفيلٌ بِبَطِّ خُراجٍ عَسا
جَريءٌ عَلى شَقِّ عِرقٍ نَبَض

يُبادِرُ بِالكَيِّ قَبلَ الضَمادِ
وَيُسعِطُ بِالسَمِّ لا بِالحُضَض

وَأَشعِرُهُ أَنّي اِنتَحَبتُ البَديلَ
وَأُعلِمهُ أَنّي اِستَجَدتُ العِوَض

فَلا مَشرَبي لِقِلاهُ أَمَرَّ
وَلا مَضجَعي لِنَواهُ أَقَضّ

وَإِنَّ يَدَ البَينِ مَشكورَةٌ
لِعارٍ أَماطَ وَوَصمٍ رَحَض

وَحَسبِيَ أَنّي أَطَبتُ الجَنى
لِإِبّانِهِ وَأَبَحتُ النَفَض

وَيَهنيكَ أَنَّكَ يا سَيِّدي
غَدَوتَ مُقارِنَ ذاكَ الرَبَض

© 2024 - موقع الشعر