وأما بلاءُ البحر عندي فإنه - ابن الرومي

وأما بلاءُ البحر عندي فإنه
فإنه طواني على روع مع الروح واقب

ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ
ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائب

وَلِمْ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرة ً
لوافيتُ منه القعرَ أولَ راسبِ

ولم أتعلم قط من ذي سباحة ٍ
سوى الغوص، والمضعوف غيرُ مغالِبِ

فأيسر إشفاقي من الماء أنني
أمرّ به في الكوز مرَّ المجانب

وأخشى الردى منه على كل شارب
فكيف بأمنيه على نفس راكب

أظلّ إذا هزته ريح ولألأت
له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ

كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمة ٍ
يليحون نحوي بالسيوف القواضب

فأن قلت لي قد يُركَب اليّمُ طامياً
ودجلة عند اليّم بعض المذانب

فلا عذرَ فيها لامرء هاب مثلها
وفي اللجة الخضراء عذرٌ لهائب

فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائمٍ
وإن بياني ليس عني بعازبِ

لدجلة َ خَبٌّ ليس لليمِّ، إنها
تَراءى بحلمٍ تحته جهْلُ واثب

تطامنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا
وتغضب من مزح الرياح الواعب

إلى أن يُوارَى فيه رهن النوائبِ
وغَدْرٍ، ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ

يرانا إذا هاجت بها الريح هيجة َ
تزلزل في حوماتها بالقوارب

نُوائل من زلزالها نحو خسفها
فلا خير في أوساطها والجوانب

زلازل موج في غمار زواخرٍ
وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ

يحوم على قتلي وغيرَ مُواربِ
وما فيه من آذيّة المتراكب

وإنْ خيفَ موجٌ عيذ منه بساحلٍ
خليٍ من الأجراف ذات الكباكب

ويلفظ ما فيه فليس معاجلاً
غريقاً بغتٍّ يُزهقُ النفسَ كاربِ

يعللُ غرقاهُ إلى أن يُغيثَهم
بصنعٍ لطيفٍ منه خيرِ مصاحَبِ

فتلقى الدلافين الكريمَ طباعُها
هناك رِعالاً عند نَكبِ النواكبِ

مراكبَ للقومِ الذين كبا بهم
فهم وسطه غرقى وهم في مراكب

وينقضُ ألواحَ السفينِ فكُلُّها
فمن ساد قوماً أوجب الطولَ أن يُرى

وما أنا بالراضي عما البحر مركبا
ولكنني عارضتُ شَغْبَ المشاغبِ

© 2024 - موقع الشعر