صور شعرية - ابراهيم ناجي

صور شعرية
-1-

راقصة
عجباً لعارية كساها

الفنُّ حسناً رائعا
سمراء وشتها بنانتُه

بياضاً ناصعا
شبه الفرائد قد كسين

في الغمام براقعا
خبأن نصفا هي الدجى

وجلون نصفا لا معا
من أي وديان الظباء

ملاعبا ومراتعا؟
من عبقرٍ، ومن الالمب،

ومن فنونهما معا
تبدين ريان الثدي

لنا وخصراً جائعا
وترين كونا يشبه الكونَ

الرحيبَ الواسعا
متغاير الإبداع مختلف

المحاسن جامعا
لك خفة البطل المحلق

طائراً أو واقعا
لك خفة البطل المجلي

مقبلاً أو راجعا
متمهلاً للخصم حينا

للقاءِ مسارعا
الصنم الجميل

يا قلبي الشاكي المعذب
هذه الشكوى لِمَا

حان الفرارُ وآن للمسجون
أن يتنسما

حان الحسابُ وأن للموتور
أن يتكلما

يا طفليَ النواح آن
اليوم أن تتعلما

أسفي لغالي الدمع تبذله
لمرتخص الدمى

أفنيته ورجعت حتى
من دموعك معدما

فإذا افتقدت الدمع عز
فتبكينّ تبسما

تبكي على العرش المصوغ
من المدامع والدما

تبكي على الصنم الجميل
يكاد أن يتهكما

تبكي تراب الأرض
مصبوغا بألوان السما

الليل في فينسيا
يا رب ما أعجب هذي البلاد

لا ليلَ فيها! كل ليلٍ صباح
وكل وجه في حماها ضِماد

ومصر لا تنبت إلا الجراح
شكوك

يا رامي السهم يدري أين موضعه
مني ويعلم ما داريت من ألمِ

رميتَ في ساحةٍ موسومة بدمٍ
منقوشةٍ بندوب الحبِّ والندمِ

لا يخدعنَّكَ منها وهي صامتةٌ
صمت القبور فراغُ الموتِ والعدمِ

فكم شفاه جراحاتٍ إذا انطبقت
جرح الإباءِ عليها غير ملتئم

فيم انتقامك من قلب عصفتَ به
لم يبقَ من موضع فيه لمنتقمِ

وفيم لذعة سخطٍ من جوى برمٍ
ترمي بجمرته في جوف مضطرم!

النسيان
حان الشفاءُ فودع الألما

واستقبل الأيامَ مبتسما
ضيفٌ من السلوان حل بنا

حدبُ اليدين مباركٌ قدما
أو ما ترى الضيفَ الذي قدما

يطوي الغيوبَ ويذرعُ الظلما
في كفِهِ كأسٌ يقدمها

تمحو العذابَ وتغسلُ الندما
فاشربْ ولا ترحمْ ثمالتَها

لهفي عليك شربتَ أي ظما
فيض من النسيان يغمرني

اني لأحمد سيله العرما
مستسلماً للموج يغمرني

فرحان حين أعانقُ العدما
المساء

يا غلة المتلهفِ الصادي
يا آيتي وقصيدتي الكبرى

ماذا تركت لديَّ من زادِ
إلا استعادة هذه الذكرى

يا للمساء العبقري وما
أبقى على الأيام في خلدي

شفتاك شفا لوعةً وظما
وجمالك الجبار طوعُ يدي

نمشي وقد طال الطريقُ بنا
ونودُّ لو نمشي إلى الأبدِ

ونود لو خلتِ الحياة لنا
كطريقنا وغدتْ بلا أحدِ

نبني على أنقاض ماضينا
قصراً من الأوهام عملاقا

ونظل ننسج من أمانينا
وشيا من الأحلام براقا

وأظل أسقيها وتملأُ لي
من مورد خلف الظنون خفي

حتى إذا سكرت من الأملِ
وترنحت مالت على كتفي

حلفت بأني مغتد معها
حيث اغتدت وهواي في دمها

فمسحت بالقبلات أدمعَها
وطبعت ميثاقي على فمها

ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا
هبني أسأت ألم يحنْ أن تغفرا

روحي ممزقةٌ وأنت تركتَها
لمخالب الدنيا وأنيابِ الورى

روحي ممزقةٌ ولو أدركتها
جمّعت من أشلائها ما بعثرا

أو ليس لي في ظل حبك موضع
أحبو إليه وأرتمي مستنصرا؟

ما كنت أصبر عن لقائك ساعة
كيف اصطباري عن لقائك أشهرا

من بدّل الثغرَ الجميلَ عبوسة
ومضى إلى وجه السماء فكدرا

يا هاته الأقدار! عينك لا ترى
تحت الدجى سأمان ممتنع الكرى

ظمآن، لو باع الأحبةُ قطرةً
بالعمر والدنيا جميعاً لاشتري

اخفى جراحك واستعز بفتكها
غريدك الشادي المحلق في الذرى

يرنو إليك على البعاد ويعتلي
فيجره الجرحُ المميتُ إلى الثرى

قد عاش وهو معذبٌ بإبائه
ولقد يلاقي يومَه مستكبرا

حتام كتماني وطول تجلدي
يا أيها الجاني عليَّ وما درى

ومتى المآب إلى رحابِك مرةً
لأريك جرحي والدما والخنجرا

© 2024 - موقع الشعر