متفرقات - ابراهيم ناجي

ذات مساء
وانتحينا معا مكاناً قصياً

نتهادى الحديث أخذاً وردّا
سألتني مللتنا أم تبدلتَ

سوانا هوىً عنفياً ووجدا
قلت هيهات! كم لعينيكِ عندي

من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى
انا ما عشت أدفع الدين شوقا

وحنينا إلى حماكِ وسهدا
وقصيداً مجلجلاً كل بيتٍ

خلفَه ألفُ عاصفٍ ليس يهدا
ذاك عهدي لكل قلبك لم يقض

ديونَ الهوى ولم يرعَ عهدا
والوعودُ التي وعدتِ فؤادي

لا أراني أعيش حتى تؤدَّى
رواية

نزل الستارُ ففيمَ تنتظرُ
خلت الحياةُ وأقفر العمرُ

لم يبقَ إلا مقفر تعس
تعوى الذائبُ به وتأتمرُ

هو مسرحٌ وانفضَّ ملعبُهُ
لم يبقَ لا عينٌ ولا أثرُ

ورواية رويت وموجزها
صحبٌ مضوا وأحبّةٌ هجروا

عبروا بها صوراً فمذ عبروا
ضحك الزمانُ وقهقه القدر

يأس على كأس
-1-

أصبحت من يأسي لو أن الردى
يهتف بي، صحت به هيا

هيا فما في الأرض لي مطمح
ولا أرى لي بعدها شيا

ماذا بقائي ها هنا بعدما
نفضت منه اليوم كفيا

أهرب من يأسي لكأسي التي
أدفن فيها أملي الحيا

يا أيها الهارب من جنتي
تعال أو هات جناحيا

نبكي شبابنا ونبكي المنى
وترتمي بين ذراعيا

-2-
إن عل يأسي وكأسي كابي

وعلى سرابي عاكف وشاربي
ولقد فرغت من التعلل بالمنى

الا وميضا في الرماد الخابي
رمقا يعللني بأنك عائد

يوما لقلبي قبل يوم دهابي
حتى اذا الأقدار شئن وعدت لي

راجعتُ نفسي واهتمت صوابي
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي

وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي
-3-

هات اسقني واشربْ على سر الأسى
وعلى بقايا مهجة وشجاها

مهلا نديمي! كيف ينسى حبها
من ينشد السلوى على ذكراها

ما زلت تسقيني لتنسيني الهوى
حتى نسيتْ، فما ذكرت سواها

كانت لنا كأسٌ وكانت قصةٌ
هذا الحباب أعادها ورواها

الآن غشاها الضبابُ وها أنا
خلفَ المآسي والدموعِ أراها

غال الزمانُ ضبابَها وحبابها
وتبخرتْ أحلامُها ورؤآها

لا تبكِها ذهبْت ومات هواها
في القلبِ متسعٌ غدا لسواها

أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها

تلك الوليدة لم تطل بشراها
لمّا تكد تطأ الثرى قدماها

زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاه

© 2024 - موقع الشعر