الدكتور زكي مبارك - ابراهيم ناجي

تحت عين الصباح والأنوار
ورقيق الأنداء والأسحار

في حمى سنتريس شب غلام
شاعري الكلام والأنظار

أزرق العين هادئ هداة البحر
بعيد الرضى بعيد القرار

ساهم يلمح السحائب في الأفق
بعين عميقة الأغوار

شب في جيرة النسائم والزهر
وفي صحبة الغدير الجاري

ونضير الحقول والعشب المخضل
يكسو شواطئ الأنهار

ومصيخا إلى غناء السواقي
شاكيات سواخر الأقدار

باكيات على الصبا والأماني
والهوى والنوى وبعد المزار

غير ان الذي شكا خطبه الأه
ل وأمسى حديث جار وجار

إن ذاك الفتى الوديع الظهرو ال
قلب في رقة النسيم الساري:

مغرم بالعصا فلو خلف سور
لتخطي شواهق الأسوار

ولأجل العصا سطا على الأفرع الخض
أراء زانت بواسق الأشجار

ولأجل العصا سطا على خشب البي
، طموحا حتى لباب الدار

ولو أن العصى عزت عليه
لتمني حتى عضا التيار

أن تلك العصا لرمز على القو
ة في قلب مارد جيار

لا يرى القرية الصغيرة كفؤا
لكبار الآمال والأوطار

ساخرا من هدوئها مستعدا
لصراع الخطوب والأخطار

أين يمضي للأزهر الشامخ
الرأس القوي الباقي على الأدهار

مطلع عبده وسعدا ورهط المج
د والبأس والعلى والفخار

فرح الأهل بالغلام الذي صا
ر حديثا في ندوة السمار

عمموه وقفطنوه فأمسى
أمل القوم فارس المضمار

ومضى يطلب العلوم وحيدا
موحشا قلبه غريب الدار

ناظرا في هوامش تأكل العق
ل وتبلي نواضر الأبصار

لا يبالي الطوى ولا يحفل الأقدا
ر جاءت بكل أمر ضاري

لا يبالي غداة يصغى إلى الشي
خ وللشيخ هالة من وقار:

أحصير ممزق أم حرير
مقعد للمجاهد الصبار

آه من هاته الشدائد فهي الن
ار تبلو القلوب في الأخيار

إن قلب العظيم ياقوته تس
مو سموا وتزدهي بالنار

أي شيء في الدهر كالألم الجبا
ر يجلو ضمائر الأحرار

عجبي من مجاور ضاق بالأز
هر واحيرة النفوس الكبار

ثم أمسى مطربشا واكتسى لبذ
لة ما بين ليلة ونهار

ثم ضاقت بهمه مصر فاشتا
ق لغير الأوطان في الأمصار

ضم أشياءه إليه وأضحى
في سفين تجوب عرض البحار

ثم أمسى مبرنطا يقصد السي
ن ويغزو مدينة الأنوار

والذي يبعث السرور ويدعو
كل نفس للزهو والأكبار

رجل ما ازدته فتنة باري
س وما في باريس من أسرار

ظل في ذلك الحمى مصريا
عربي الحياة والأفكار

كلما هبت الغواني عليه
ضاق ذرعا بالغادة المعطار

يزفر الزافرة النفيسة ترمي
من لظاها فحم الدجى بشرار

يذكر النيل والأحبة بالني
ل ويشدو برائع الأشعار

كرموا نابغيكموا واعرفوهم
فضياع النبوغ في الانكار

فزكي مبارك شعلة في
مصر تهدي شبابها كالمنار

قسما لو يتاح لي الغار كلل
يكفي جبينه بالغار!

© 2024 - موقع الشعر