أُحـادٌ أَم سُـداسٌ فـي أُحـادِ - أبو الطيب المتنبي

أُحادٌ أَم سُداسٌ في أُحادِ "
" لُيَيلَتُنا المَنوطَةُ بِالتَنادِ

كَأَنَّ بَناتِ نَعشٍ في دُجاها "
" خَرائِدُ سافِراتٌ في حِدادِ

أُفَكِّرُ في مُعاقَرَةِ المَنايا "
" وَقوْدِ الخَيلِ مُشرِفَةَ الهَوادي

زَعيمٌ لِلقَنا الخَطِّيِّ عَزمي "
" بِسَفكِ دَمِ الحَواضِرِ وَالبَوادي

إِلى كَمْ ذا التَخَلُّفُ وَالتَواني "
" وَكَمْ هَذا التَمادي في التَمادي

وَشُغلُ النَفسِ عَن طَلَبِ المَعالي "
" بِبَيعِ الشِعرِ في سوقِ الكَسادِ

وَما ماضي الشَبابِ بِمُستَرَدٍّ "
" وَلا يَومٌ يَمُرُّ بِمُستَعادِ

مَتى لَحَظَتْ بَياضَ الشَيبِ عَيني "
" فَقَد وَجَدَتهُ مِنها في السَوادِ

مَتى ما ازدَدتُ مِن بَعدِ التَناهي "
" فَقَد وَقَعَ انتِقاصي في ازدِيادي

أَأَرضى أَن أَعيشَ وَلا أُكافي "
" عَلى ما لِلأَميرِ مِنَ الأَيادي

جَزى اللهُ المَسيرَ إِلَيهِ خَيرًا "
" وَإِنْ تَرَكَ المَطايا كَالمَزادِ

فَلَم تَلقَ ابنَ إِبراهيمَ عَنسي "
" وَفيها قُوتُ يَومٍ لِلقُرادِ

أَلَم يَكُ بَينَنا بَلَدٌ بَعيدٌ "
" فَصَيَّرَ طولَهُ عَرضَ النِجادِ

وَأَبعَدَ بُعدَنا بُعدَ التَداني "
" وَقَرَّبَ قُربَنا قُربَ البِعادِ

فَلَمّا جِئتُهُ أَعلى مَحَلّي "
" وَأَجلَسَني عَلى السَبعِ الشِدادِ

تَهَلَّلَ قَبلَ تَسليمي عَلَيهِ "
" وَأَلقى مالَهُ قَبلَ الوِسادِ

نَلومُكَ يا عَلِيُّ لِغَيرِ ذَنبٍ "
" لِأَنَّكَ قَد زَرَيتَ عَلى العِبادِ

وَأَنَّكَ لا تَجودُ عَلى جَوادٍ "
" هِباتُكَ أَن يُلَقَّبَ بِالجَوادِ

كَأَنَّ سَخاءَكَ الإِسلامُ تَخشى "
" إِذا ما حُلتَ عاقِبَةَ ارتِدادِ

كَأَنَّ الهامَ في الهَيجا عُيونٌ "
" وَقَد طُبِعَت سُيوفُكَ مِن رُقادِ

وَقَد صُغتَ الأَسِنَّةَ مِن هُمومٍ "
" فَما يَخطُرنَ إِلّا في فُؤادِ

وَيَومَ جَلَبتَها شُعثَ النَواصي "
" مُعَقَّدَةَ السَبائِبِ لِلطِرادِ

وَحامَ بِها الهَلاكُ عَلى أُناسِ "
" لَهُمْ بِاللاذِقِيَّةِ بَغيُ عادِ

فَكانَ الغَربُ بَحرًا مِن مِياهٍ "
" وَكانَ الشَرقُ بَحرًا مِن جِيادِ

وَقَد خَفَقَت لَكَ الراياتُ فيهِ "
" فَظَلَّ يَموجُ بِالبيضِ الحِدادِ

لَقوكَ بِأَكبُدِ الإِبلِ الأَبايا "
" فَسُقتَهُمُ وَحَدُّ السَيفِ حادِ

وَقَد مَزَّقتَ ثَوبَ الغَيِّ عَنهُمْ "
" وَقَد أَلبَستُهُمْ ثَوبَ الرَشادِ

فَما تَرَكوا الإِمارَةَ لِاختِيارٍ "
" وَلا انتَحَلوا وِدادَكَ مِن وِدادِ

وَلا استَفَلوا لِزُهدٍ في التَعالي "
" وَلا انقادوا سُرورًا بِانقِيادِ

وَلَكِن هَبَّ خَوفُكَ في حَشاهُمْ "
" هُبوبَ الريحِ في رِجلِ الجَرادِ

وَماتوا قَبلَ مَوتِهِمُ فَلَمّا "
" مَنَنتَ أَعَدتَهُمْ قَبلَ المَعادِ

غَمَدتَ صَوارِمًا لَو لَم يَتوبوا "
" مَحَوتَهُمُ بِها مَحوَ المِدادِ

وَما الغَضَبُ الطَريفُ وَإِن تَقَوّى "
" بِمُنتَصِفٍ مِنَ الكَرَمِ التِلادِ

فَلا تَغرُركَ أَلسِنَةٌ مَوالٍ "
" تُقَلِّبُهُنَّ أَفئدَةٌ أَعادي

وَكُن كَالمَوتِ لا يَرثي لِباكٍ "
" بَكى مِنهُ لَيَرْوَى وَهوَ صادِ

فَإِنَّ الجُرحَ يَنفِرُ بَعدَ حينٍ "
" إِذا كانَ البِناءُ عَلى فَسادِ

وَإِنَّ الماءَ يَجري مِن جَمادٍ "
" وَإِنَّ النارَ تَخرُجُ مِن زِنادِ

وَكَيفَ يَبيتُ مُضطَجِعًا جَبانٌ "
" فَرَشتَ لِجِنبِهِ شَوكَ القَتادِ

يَرى في النَومِ رُمحَكَ في كُلاهُ "
" وَيَخشى أَن يَراهُ في السُهادِ

أَشَرتَ أَبا الحُسَينِ بِمَدحِ قَومٍ "
" نَزَلتُ بِهِمْ فَسِرتُ بِغَيرِ زادِ

وَظَنّوني مَدَحتُهُم قَديمًا "
" وَأَنتَ بِما مَدَحتُهُمُ مُرادي

وَإِنّي عَنكَ بَعدَ غَدٍ لَغادِ "
" وَقَلبي عَن فِنائِكَ غَيرُ غادِ

مُحِبُّكَ حَيثُما اتَّجَهَت رِكابي "
" وَضَيفُكَ حَيثُ كُنتُ مِنَ البِلادِ

© 2024 - موقع الشعر