رسالة الجنرال ثلج - غادة السمان

كم الثلج حذر ! يخلع حذاءه العسكري ،
ثم يمشي على رؤوس أصابعه البيض كاللص ،
ويعانق حبه دون أن يتفوه بكلمة .
نقاء مطلق في اليوم الأول . .
آثار أقدام كثيرة في اليوم التالي . .
كرنفال الهباب في اليوم الثالث . .
ثرثرة وبقايا أوساخ ،
ويهرب الحب من نافذة الأفق ليستحم في نهر جديد . .
لا نحب أن نعترف .
كم يشبه الحب الثلج !
يظل جميلاً مادام بعيداً عن الناس ،
لم تطأه قدم إلا في الحلم . .
 
* * *
هل الثلج تنهّد الفضاء
في لحظة عشق استثنائية بينه وبين الأفق ؟
أم تراه حلم الغيوم البيض ،
بتقبيل الشفاه الزرق للبحر ؟
هل الثلج غزو الزهور النقية لربيع سري ؟
أم غبار كواكب نائية يقطنها المحبّون وحدهم ؟
هل الثلج استحمام النجوم بمطر الدهشة ،
أم أبجدية الصمت لروائية تجهل كيف تبوح بحبها على الورق ،
ويتناثر الريش الأبيض لنوارس كلماتها الضالة ؟
هل الثلج بصمات أصابع شاعر عبقري يخطّ على صفحة المدينة قصيدة البياض المطلق ،
أم تراه بصمات العشاق الأبرياء على أفق الفراق البارد ؟
هل الثلج قرع أصابع بيض لامرئية على أبواب حقول الشوق ،
أم هو قطن لجراح الذاكرة يندفه الغرباء ؟
هل الثلج عربتك
وأنت تتزلج على جرح قلبي ؟
للثلج شمس لامرئية تشرق ليلاً ،
لا يراها إلا البوم . .
فتتسع عيناه من الأفق إلى الريح .
ولا يراها إلا المستذئب الجميل ،
فيعوي طويلاً قرب عنق الحبيبة ،
حيث يمتزج الحب بالموت .
يقول الثلج : خبئ حبك الأبيض ليومك الأسود ! . .
تقول للثلج : الحب كالورد ، إن قطفته مات ،
وإن لم تقطفه مات أيضاً !
© 2024 - موقع الشعر