أعناق الملوك - أبو الطيب المتنبي

أطاعن خيلا في فوارسها الدهر
وحيدا وماقولي كذا ومعي الصبر

وأشجع مني كل يوم سلامتي
وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر

تمرست بالآفات حتى تركتها
تقول أمات الموت أم ذعر الذعر

وأقدمت إقدام الأتي كأن لي
سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر

ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها
فمفترق جاران دارهما العمر

ولا تحسبن المجد رزقا وقينة
فما المجد إلا السيف والفتكة البكر

وتضريب أعناق الملوك وأن ترى
لك الهبوات السود والعسكر المجر

وتركك في الدنيا دويا كأنما
تداول سمع المرء أنمله العشر

علي لأهل الجور كل طمرة
عليها غلام ملء حيزومه غمر

يدير بأطراف الرماح عليهم
كؤوس المنايا حيث لا تشتهي الخمر

ضروب الناس عشاق ضروبا
فأعذرهم أشفهم حبيبا

وما سكني سوى قتل الأعادي
فهل من زورة تشفي القلوبا

تظل الطير منها في حديث
ترد به الصراصر والنعيبا

وقد لبست دماءهم عليهم
حدادا لم تشق له جيوبا

أدمنا طعنهم والقتل حتى
خلطنا في عظامهم الكعوبا

كأن خيولنا كانت قديما
تسقى في قحوفهم الحليبا

فمرت غير نافرة عليهم
تدوس بها الجماجم والتريبا

مفرشي صهوة الحصان ولكن
قميصي مسرودة من حديد

أين فضلي إذا قنعت من الدهر
بعيش معجل التنكيد

ضاق صدري وطال طلب الرزق
قيامي وقل عنه قعودي

أبدا أقطع البلاد ونجمي
في نحوس وهمتي في سعود

عش عزيزا أو مت وأنت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود

فرؤوس الرماح أذهب للغيظ
وأشفى لغل صدر الحقود

لا كما قد حييت غير حميد
وإذا مت مت غير فقيد

فآطلب العز في لظى ودع الذل
ولو كان في جنان الخلود

يقتل العاجز الجبان وقد يعجز
عن قطع بخنق المولود

ويوقى الفتى المخش وقد خوض
في ماء لبة الصنديد

لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي

وبهم فخر كل من نطق الضاد
وعوذ الجاني وغوث الطريد

إن أكن معجبا فعجب عجيب
لم يجد فوق نفسه من مزيد

أنا ترب الندى ورب القوافي
وسمام العدى وغيظ الحسود

أمثلي تأخذ النكبات منه
ويجزع من ملاقاة الحمام

ولو برز الزمان إلي شخصا
لخضب شعر مفرقه حسامي

وما بلغت مشيئتها الليالي
ولا سارت وفي يدها الزمامي

إذا آمتلأت عيون الخيل مني
فويل في التيقظ والمنام

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم

يرى الجبناء أن العجز عقل
وتلك خديعة الطبع اللئيم

وكل شجاعة في المرء تغني
ولا مثل الشجاعه في الحكيم

وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيم

ولكن تأخذ الآذان منه
على قدر القرائح والعلوم

© 2024 - موقع الشعر