على قدر أهل العزم - أبو الطيب المتنبي

على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم

و تعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم

يكلف سيف الدولة اليوم همه
و قد عجزت عنه الجيوش الخضارم

و يطلب عند الناس ما عند نفسه
و ذلك ما لا تدعيه الضراغم

يفدي أتم الطير عمرا سلاحه
نسور الفلا أحداثها و االقشاعم

و ما ضرها خلق بغير مخالب
وقد خلقت أسيافه و القوائم

هل الحدث الحمراء تعرف لونها
و تعلم أي الساقيين االغمائم

سقتها الغمام الغر قبل نزوله
فلما دنا منها سقتها الجماجم

بناها فاعلى و القنا يقرع القنا
و موج المنايا حولها متلاطم

و كان بها مثل الجنون فاصبحت
ومن جثث القتلى عليها تمائم

طريدة دهر ساقها فرددتها
على الدين بالخطي و الدهر راغم

تفيت الليالي كل شيء اخذته
و هن لما يأخذن منك غوارم

إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا
مضى قبل ان تلقى عليه الجوازم

و كيف ترجى الروم و الفرس هدمها
و ذا الطعن آساس لها و دعائم

و قد حاكموها و المنايا حواكم
فما مات مظلوم ولا عاش ظالم

أتوك يجرون الحديد كأنما
سروا بجياد مالهن قوائم

إذا برقوا لم تعرف البيض منهم
ثيابهم من مثلها و العمائم

خميس بشرق الأرض و الغرب
زحفه و في أذن الجوزاءمنه زمازم

تجمَّع فيه كل لِِسْنٍ و أمة
فما يُفهم الحدَّاث إلا التراجم

فللّه وقت ذوب الغش ناره
فلم يبق إلا صارم أو ضبارم

تقطَّع مالا يقطع الدهر و القنا
و فر من الفرسان من لا يصادم

وقفت و ما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى و هو نائم

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
و وجهك وضاح و ثغرك باسم

تجاوزت مقدار الشجاعة و النهى
إلى قول قوم انت بالغيب عالم

ضممت جناحيهم على القلب ضمة
تموت الخوافي تحتها و القوادم

بضرب اتى الهامات و النصر غائب
و صار إلى اللبات و النصر قادم

حقرت الردينيات حتى طرحتها
و حتى كأن السيف للرمح شاتم

و من طلب الفتح الجليل فإنما
مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم

نثرتهم فوق الأُحَيدب كله
كما نثرت فوق العروس الدراهم

تدوس بك الخيل الوكور على الذرى
و قد كثرت حول الوكور المطاعم

تظن فراخ الفتخ أنك زرتها
بأُماتها وهي العتاق الصلادم

إذا زلقت مشَّيتها ببطونها
كما تتمشى في الصعيد الأراقم

أفي كل يوم ذا الدُّمستق مقدم
قفاه على الإقدام للوجه لائم

أيُنكر ريح الليث حتى يَذوقَه
وقد عرفت ريح الليوث البهائم

و قد فجعته بابنه و ابن صهره
و بالصهر حملات الأمير الغواشم

مضى يشكر الأصحاب في فوته الظُّبى
لما شغلتها هامهم و المعاصم

و يفهم صوت المشرفية فيهم
على أن أصوات السيوف أعاجم

يُسَرُّ بما أعطاك لا عن جهالة
و لكن مغنوما نجا منك غانم

و لست مليكا هازما لنظيره
ولكنك التوحيد للشرك هازم

تشرّف عدنان به لا ربيعة
و تفتخر الدنيا به لا العواصم

لك الحمد في الدر الذي لي لفظه
فإنك معطيه و إني ناظم

و إني لتعدو بي عطاياك في الوغى
فلا انا مذموم ولا انت نادم

على كل طيار إليها برجله
إذا وقعت في مسمعيه الغماغم

ألا ايه السيف الذي ليس مغمدا
و لا فيه مرتاب ولا منه عاصم

هنيئا لضرب الهام والمجد و العلى
و راجيك و الإسلام أنك سالم

ولم لا يقي الرحمن حديك ما وقى
و تفليقه هام العدى بك دائم

© 2024 - موقع الشعر