حنين طائر

لـ علي الجارم، ، في غير مُحدد، آخر تحديث

حنين طائر - علي الجارم

طائرٌ يشدو على فننِ
جدَّد الذكرى لذي شجنِ
قام والأكوانُ صامتةٌ
ونسيمُ الصُّبْحِ في وَهَن
هاج في نفسي وقد هدأتْ
لوعةً لولاه لم تكن
هزَّه شوقٌ إلى سكنٍ
فبكى للأهل والسَّكَن
وَيْكَ لا تجزعْ لنازلةٍ
ما لطيرِ الجوِّ من وطن
قد يراكَ الصُّبحُ في «حلبٍ»
ويراكَ الليلُ في «عدن»
أنتَ في خضراءَ ضاحكةٍ
من بكاءِ العارضِ الهَتِن
أنتَ في شجراءَ وارفةٍ
تاركٌ غصناً إلى غصن
عابثٌ بالزَّهرِ مغتبطٌ
ناعمٌ في الحِلّ والظَّعَن
في ظلالٍ حولها نَهَرٌ
غيرُ مسنونٍ ولا أَسِن
في يديكَ الريحُ تُرسلها
كيفما تهوى بلا رسن
يا سليمانَ الزمانِ أفقْ
ليس للّذات من ثمن
وابعثِ الألحانَ مطربةً
يا حياةَ العينِ والأُذن
غَنِّ بالدنيا وزينتِها
ونظامِ الكونِ والسُّنَن
وبقيعانٍ هبطتَ بها
وبما شاهدتَ من مُدُن
وبأزهار الصباحِ وقد
نهضتْ من غفوة الوسن
وبقلب شفَّه وَلَهٌ
حافظٍ للعهد لم يَخُن
كلُّ شيءٍ في الدُّنا حَسَنٌ
أيُّ شيءٍ ليس بالحسن؟
خالقُ الأكوان كالئُها
واسعُ الإحسانِ والمنن
 
****
كان لي إلفٌ فأَبعدهُ
قَدَرٌ عنّي وأبعدني
 
أنا مَدَّ الدهرِ أذكرهُ
وهو مَدَّ الدهرِ يذكرني
قد بنينا العشَّ من مُهجٍ
غُسِلتْ من حَوْبة الدَّرَن
من لَدُنْهُ الودُّ أَخلَصَهُ
والوفا والطهرُ من لَدُنِي
كانتِ الأطيارُ تحسدهُ
جنَّةَ المأوى وتحسدني
وظنَنَّا أنْ نعيش بهِ
عيشةَ المستعصمِ الأَمِن
فرمتْ كفُّ الزمان بهِ
فكأنَّ العُشَّ لم يكن
طار من حولي وخلّفني
للجوى والبثّ والحَزَن
ونأى عنّي وما برحتْ
نازعاتُ الشَّوق تطرقني
ومضى والوجدُ يسبقهُ
ودموعُ العين تسبقني
 
****
إنْ تزرْ يا طيرُ دوحتَهُ
بين زهرٍ ناضرٍ وجَنِي
وشهدتَ «التِّمْسَ» مُضطرباً
واثباً كالصافن الأَرِن
عبثتْ ريحُ الشمال بهِ
فطغى غيظاً على السُّفن
فانشُدِ الأطيارَ واحدَها
في الحُلَى والحُسن والجَدَن
وتريَّثْ في المقال لهُ
قد يكون الموتُ في اللَّسَن!
صِفْ له يا طيرُ ما لقيتْ
مُهجتِي في الحبّ من غَبَن
صفْ له روحاً مُعذَّبةً
ضاق عن آلامها بدني
صفْ له عيناً مُقرَّحةً
لأبيِّ الدمعِ لم تَصُن
 
****
يا خليلي والهوى إِحَنٌ
لا رماكَ اللهُ بالإحَن
إنْ رأيتَ العينَ ناعسةً
فترقّبْ يقظةَ الفِتَن!
أو رأيتَ القَدَّ في هَيَفٍ
فاتّخذْ ما شئتَ من جُنَن
قد نعمنا بالهوى زمناً
وشقينا آخرَ الزمن!
© 2024 - موقع الشعر