شعراء المستقبل صناعة تلفزيونية؟

للكتاب: سالم الفروان،


مقال اعجبني واود المشاركه به ....

ترويج للشعر أم قتل للإبداع الحقيقي؟

القاهرة: إيهاب الحضري

هل يدفع التلفزيون بالشعر العربي إلى الأمام أم يقذف به إلى الخلف؟ وما انعكاسات البرامج الشعرية الجديدة التي توزع الألقاب على الفائزين بسخاء وسرعة قياسيين، لم يشهد لهما التاريخ العربي مثيلاً. فقد بتنا بسرعة البرق ننتخب «أمير الشعراء» أو «شاعر المليون» أو حتى «شاعر العرب»، دون أن نعرف ما هي مصداقية هذه الألقاب أو ما الذي تمثله عملياً على الساحة الأدبية، بعد أن كان الشاعر يكدح العمر كله دون أن ينتزع لقباً ينصف جهده. فهل بمستطاعنا القول ان التلفزيون يتدخل لينقذ الشعر من غيبوبته ويعيده إلى الجماهير العريضة؟ أم أن نظام التصويت بالجوال لانتخاب شاعر الأمة سيقضي على البقية الباقية من هيبة الشعر؟ التحقيق التالي، يرينا، كيف ان سلوك درب الشعر ما يزال اليماً وصعباً، وما يحدث في الكواليس لا يتناسب والصورة اللماعة التي يقطفها المشاهد ناضجة.

الأسئلة تتكاثر منذ بدأ الإعلان عن حملة ترويجية لبيع مجموعة من الألقاب الشعرية في مزاد الفضائيات. وقد تم تغليف الأمر، في بعض الأحيان، بحيث يبدو موضوعيا، بتخصيص 50% من درجة كل متسابق للمحكمين، و 50% لتصويت الجمهور عبر رسائل الحمول التي أصبحت تتحكم حتى في أقدار المبدعين. وكالعادة في مثل هذه الظروف، هناك من رأى الأمر إيجابيا. فعبر سنوات طويلة كانت قد توالت الدعوات كي يهتم الإعلام بالأدب مثل اهتمامه بأنماط أخرى أكثر جذبا. وها هي الدعوات تستجاب. والمشجعون للتجربة يعتبرون أن أي أخطاء يمكن تجاوزها ومعالجتها ما دمنا في البدايات. في المقابل يرفض آخرون التجربة لأسباب عديدة، تبدأ من التحفظ على ضخامة الألقاب، وتنتهي باعتبارها خطرا حقيقيا على حركة الشعر العربي، لأنها تكرس سيطرة رأس المال على الشعر، وبين البداية والنهاية تتعدد المبررات.

النقاش تجاوز أماكن التجمعات الثقافية إلى تجمعات الإنترنت، هناك من سخر من الفكرة، وهناك من أيدها، وهناك من أكد أن النتائج معد لها سلفا، تحت عنوان: أمير الشعراء، شاعر العرب، ومسلسل الولع بالألقاب. تساءل عاشق الشام في أحد المواقع الإلكترونية: «هل لدينا ولع بالألقاب إلى هذا الحد؟ وهل اختزلنا الشعراء في واحد ورمينا بالبقية في سلة المهملات؟ كثيرون عارضوا أن يطلق لقب أمير الشعراء على أحمد شوقي مع إيمانهم بتميزه وروعة قصائده إلا أنهم عارضوا مبايعة شاعر بالإمارة. واليوم صار هذا اللقب معروضا للبيع على طبق (مسابقة) تلتهم الأموال وتقتنص فرص الربح. والمهم هو ذلك الرقم الفلكي من عوائد الاتصالات والرسائل والإعلانات».

سهر الليالي كتبت: «موضوع الألقاب أصبح موضة العصر، حتى الخباز يبحث عن لقب». بينما هاجم عاشق من بعيد الواقع الشعري كله: «من وجهة نظري أنك لو تجمعهم كلهم وتعصرهم لن تستطيع أن تخرج منهم شويعر فما بالك بشاعر؟ دعهم يلعبون ويضحكون على أنفسهم». وتساءل آخرون عن مبررات ربط أمير الشعراء أو غيره من الألقاب الضخمة بمرحلة عمرية، لا تكفي عادة لنضج موهبة شاعر عادي فما بالنا ونحن نتعامل مع ألقاب بهذه الضخامة. وسط كل ذلك كان المشاركون وأنصارهم يواصلون دعاياتهم على النت، وعادة ما كان ذلك يتم بطريقة تنم عن تعصب. كل متسابق يخاطب أهله وعشيرته وأبناء وطنه، فاللقب مغر كما أن الجائزة المادية تتعدى المليون في بعض الأحوال. وقبل أيام أعلنت نتيجة إحدى هذه المسابقات وهي «أمير الشعراء» التي تنظمها قناة أبو ظبي، فاز باللقب وبالمليون درهم الشاعر الإماراتي كريم المعتوق.

كواليس متسابقة

في الساعة الواحدة والنصف من يوم 23 مايو الماضي، أرسلت الشاعرة الدكتورة حنان فاروق رسالة الكترونية إلى عدد من معارفها ورد فيها: «إخوتي وأخواتي، آمل أن تتفاعلوا معنا بالتصويت في مسابقة شاعر العرب أثناء وبعد إذاعة حلقة الاثنين 28 مايو إن شاء الرحمن.. شاكرين لكم حسن تفاعلكم». وفي العاشرة والنصف من اليوم نفسه وصلت نفس المعارف رسالة الكترونية تحمل مضمونا مناقضا، ورد فيها:

«إخوانى واخواتى العزيزات.. قدمت اعتذاراً رسمياً لقناة المستقلة اليوم عن مشاركتى فى مسابقتها شاعر العرب.. وذلك لظروف خارجة عن إرادتى.. أرجو أن تقبلوا اعتذاري عن إزعاجكم بإعلانى السابق... وشكر الله للجميع». ماذا حدث لتتحول حنان فاروق من النقيض إلى النقيض؟ عبر رسالة إلكترونية المتسابقة حنان أكدت لـ «الشرق الأوسط» التالي: «المسابقة لم يكن بها مشكلة معي شخصيا على العكس من ذلك، فقد حاولوا تسهيل الامر علي، لكنى أنا التى انسحبت. اعتراضى كان على تحكيم الجمهور ككل في عمل الأديب، إذ تدخل العصبيات والتحيزات العرقية وغير العرقية والحالة الاقتصادية للذين ينتمي إليهم الشاعر من حيث قدرتهم المادية على التصويت من عدمها». العبارات الموجزة التي بررت فيها الدكتورة حنان موقفها كانت تختزل حكاية أكبر عبرت عنها بتفاصيل أكثر في مدونتها «بين بين» عبر مقال حمل عنوان «توبة»، ذكرت فيه أنها كانت تتصفح على الإنترنت مواد عن مسابقات أدبية اشتركت في أحدها في النهاية، وتتابع: «ونسيت الأمر.. بعد فترة دلفت إلى صفحة المسابقة فوجدت أنهم اختاروا مائتي شاعر من بين ألف ومائتين.. وان اسمي منهم.. بعدها اتصل بي مندوب القناة في عاصمة البلد الذي أعيش فيه لكي أسجل...!!! أسجل ماذا يا أستاذ!! قال تسجلين قصائدك لأنها ستعرض في التلفاز على هيئة التحكيم التي اختارتها مع إلقائك.. ولم يكن لي قدرة على السفر فراسلت القناة فقالوا من الممكن أن ترسلي لنا شريطاً. للحق ترددت.. ووجدتني أستخير الله أرسل أم لا أرسل.. وهل أنا بالفعل بحاجة للدخول في مسابقة من هذا النوع. ليس تقليلاً من شأن المسابقة أبداً.. ولكن لأني أحسست أن المسألة أصبح فيها بعض اضطراب وصورة غير واضحة، وأنا ربما لا أستطيع البتة أن أضع قدمي على أرض لا أعرف كنهها خاصة بعد أن عرفت أن التحكيم لن يكون عن طريق اللجنة فقط بل عن طريق الجمهور أيضاً، مما زاد من استعدادي للتراجع. لكني وبتشجيع من صديقات لي يحبون قلمي، كرماً منهن أقدمت على التجربة وبدأت خطوات التسجيل. وكنت وزوجي قد اشترينا كاميرا فيديو جديدة وحديثة، لكن الكاميرا أعلنت موقفها المناهض للمسابقة في مرحلة مبكرة! عندما بدأنا التسجيل توقفت الكاميرا تماماً ورفضت المشاركة.. أرسلناها إلى التوكيل لأنها ما زالت في مرحلة الضمان واستعرنا من أصدقائنا أخرى، وسجلت.

كان التسجيل صعباً لأني لم أكن على ما يرام .. بداخلي شيء يقول لي تراجعي ليس هذا مكانك.. لكني أكملت.. حتى زوجي الذي شجعني أول الأمر لأنه لا يحب أن يقف عائقاً في سبيل كلماتي انتابه أثناء التسجيل شعور سلبي لم يصرح به وإن أحسسته. فالسنون جعلتنا واحداً لا اثنين. نوينا أن نسجل شريطين، نبقى على أحدهما معنا كنسخة احتياطية ونرسل الآخر. بيد أننا بعد تسجيل أول شريط لم نجد في أنفسنا أي رغبة لتسجيل آخر.. وذهب زوجي ليرسله وفوجئ أن البريد السريع الدولي يكلف ما يقارب سبعمائة وخمسين جنيهاً مصرياً بعملة الدولة التي أعيش فيها.. وهاتفني زوجي وسألني: هل المسابقة تستحق هذا أم لا، وقال لي لا مشكلة إذا كان الموضوع جدياً بالفعل.. فسكت لا أستطيع جواباً.. فقال لي نتوكل على الله ونرسله.. أرسلت إلى القناة أتأكد من وصول الشريط، فردوا علي للتو بأن الشريط بالفعل وصل».

صدمة الإقصاء المفاجئ

عند هذه النقطة تتوقف مؤقتا قصة حنان فاروق مع المسابقة كمشاركة لتبدأ رحلتها كمتابعة. ومن خلال المتابعة فوجئت بعدة أمور تحتاج إلى وقفة حقيقية، تابعت: «في يوم الحلقة الأولى جلست أتابع التلفاز لأرى أول وأضخم مسابقة شعر بالفصحى في القرن الحادي والعشرين، كما يقول المسؤولون عن المسابقة. تنافس في الحلقة ستة من الشعراء بالفعل... اختلفت مستوياتهم-من وجهة نظري- لكنهم كانوا جميعاً يستحقون الاحترام كزملاء في حقل القلم. المشكلة التي تعجبت لها هي أن لجنة التحكيم اجتمعت عن طريق الهاتف وكانت تسمع القصائد لأول مرة.. والسؤال هو: من الذي اختار المائتي شاعر من الألف ومائتين وعلى أي أساس. وحتى لو كان الاختيار عن طريق شاعر واحد أو شخص متخصص، فما عمل اللجنة إذن ذات الأعضاء المرتفعي المستوى اللغوي والأدبي والتخصصي؟ وكيف لم

يطالبوا هم بقراءة أشعار المشاركين قبل الدخول إلى منصة التحكيم الهاتفية التي تسببت كما أحسست، وربما يكون إحساسي خاطئاً، في إرهاقهم أيضاً. قالوا عن شاعر من الشعراء الستة، إنه لا يكتب شعراً من الأصل وإنما يحاول أن يضع موسيقى فقط ويسير عليها، بغض النظر عن المعاني والوجدان والأخطاء العروضية واللغوية التي لا تحصى. وأعود فأسأل: من الذي اختار المائتي شاعر، وعلى أي أساس طالما أن أحدهم-حسب قول اللجنة-ليس بشاعر حقيقي. ووصفوا آخر بجمال الشعر والصورة لكن قصائده ممتلئة بالأخطاء العروضية الكبيرة والكلمات التي لا أصل لها في اللغة. ونعود فنسأل: لم تمت الموافقة على قصائده طالما أنها لا توافق شروط القصيدة، خاصة وأن المسابقة تتم على لقب شاعر العرب وشاعر العرب يجب ألا يكون في قصائده أي أخطاء بنائية كبرى؟؟».

تساؤلات مهمة بالفعل، تتفاعل مع الملاحظة التالية، لتؤكد أن ثمة شيئا ما: خطأ «ما حدث في التصويت الجماهيرى ورسائل الجوال التي تؤكد على العصبية القبلية، وتوغر الصدور، وتؤلب الناس على بعضهم البعض، في فترة نحن فيها أحوج ما نكون لأن نقترب أكثر ونتوحد ونكون على قلب رجل واحد. ربما يقول البعض إن الإعلام الفضائي والعصر المادي الذي نعيشه فرضا نفسيهما على مفردات حياتنا وتعاطينا مع الأمور، سواء كنا من العوام أو من الخواص. وأقول: هل نترك شخصيتنا ليمحوها الإعلام بما يفرضه والعصر وما يتطلبه؟».

تساؤلات د. حنان لم تمنعها من الاستعداد للمسابقة التي فوجئت أن دورها قد حل بها في وقت مبكر لم تكن تتوقعه، لكن مفاجأة أخرى كانت في انتظارها: «تأخرت إعلانات الحلقة الموعودة بالرغم من أنها من المفروض أن تبدأ في اليوم التالى للحلقة الأولى. فقلت، ربما يعطون فرصة للتصويت لأول مجموعة.. لكنها تأخرت أكثر.. دخلت الإنترنت فوجدت رسالة الكترونية من القناة تخبرنى أنهم شاهدوا الشريط لأول مرة وفوجئوا أنه تقنياً ليس على المستوى المطلوب، وطلبوا منى تجهيز آخر وإرساله في أقرب فرصة.. فرددت عليهم بأسئلة عدة أهمها، أني أرسلت الشريط من أسبوعين.. هل لم يطف ببالهم تشغيل وتجريب الشريط إلا بعد الإعلان عن اسمي كمشاركة في الحلقة القادمة وقبل إذاعتها بثلاثة أيام ؟؟؟ وعلى أي أساس يتم الإعداد لكل حلقة من حلقات المسابقة؟؟ ولماذا لم يتصلوا بي هاتفياً ليخبرونى بالأمر بدلاً من استعمال البريد الالكترونى خاصة إن الموضوع من الأهمية بمكان؟؟؟ ثم أردفت باعتذار رسمي عن المشاركة لأنه لا الوقت ولا الجهد يسمحان لي بإكمال المسيرة، وربما أعرف أن لديهم غيري الكثير، وأنه من الأفضل لي ولهم أن انسحب.. ولم أتلق أي رد».

فكرة جيدة ولكن

لم يرصد الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة هذه البرامج بوصفه مبدعا فقط، وإنما بحكم أنه ظل لسنوات مسؤولا عن إذاعة البرنامج الثقافي. من هنا يرى أن التجربة مثيرة، لكن مفهوم الإثارة هنا يحمل معاني متناقضة: «تبدو كأنها عزف على إيقاع سائد تقوده الإعلانات والفضائيات التي تبحث عن أفكار خارقة للعادة». غير أنه يؤكد بداية ترحيبه بأي اهتمام بالشعر: «الجانب المضيء أنها وضعت بعض الأصوات الشعرية الشابة على الأثير، وكشفت عن مناطق خضراء في الإبداع الشعري، وحقق الأثير ما عجزت عنه المطبوعات الورقية في السنوات الماضية. لأن الأخيرة محاصرة بالرقابة والجمارك، إضافة إلى بطئها، وأسمعتنا هذه البرامج أصواتا شعرية من مناطق مختلفة، وهو أمر يمكن أن يغذي الروح التاريخية للشعر العربي ويعيد روح الوحدة والتضامن إليه، فقد كان دائما شعرا واحدا. لقد فرحت وأنا استمع لشاعرة من الجزائر، وشاعر من السعودية وآخر من فلسطين وثالث من اليمن وهكذا». لكن ألا يمكن أن يؤدي نظام التصويت على طريقة «ستار أكاديمي» إلى نتيجة مغايرة لتلك التي تمناها أبو سنة؟ فكل بلد ستصوت لمرشحها انطلاقا من نزعة تعصب لا على أساس الجودة الفنية. سؤال يجيب عليه أبو سنة قائلا: «اعتقد أن هذا أمر مستبعد، وعموما فكرة المنافسة معروفة من العصر الجاهلي، وكان النابغة الذبياني يحكم في عكاظ بين الشعراء». هل يمكن المقارنة بين النابغة بشاعريته وجمهور قد لا يستسيغ الشعر بقدر ما ينجذب لحضور شاعر ما إعلاميا؟ يرد أبو سنة: «لا يجب أن يستهان برأي الجمهور، لأنه المستهدف في النهاية». رفض أبوسنة للمخاوف المثارة لا يعني أنه متفق مع كل ما حدث. فهناك سلبيات تهدد الفكرة: «الشكل التلفزيوني يغلب عليه الإعلان لا الإعلام، وهو أمر ينبغي مراجعته بصورة أكثر إحكاما وجدية». الملاحظة السابقة فتحت الباب أمام المزيد: «لا أصدق أن ترصد كل هذه الأموال من أجل أهداف متواضعة، فكيف يمكن أن أمنح شاعرا شابا عن قصيدة واحدة مليون درهم، إنه سفه. يجب أن نحرر الشعر من فكرة الارتزاق الذي قتله في عصور سابقة. قبل فترة قال لى صديق إن الشعر هو أقل مجالات الإبداع بيعا، فقلت له: لأن الشعر لا يباع ولا يشترى. وأنا أرى أن إغراء شباب الشعراء بالمال قتل لهم، وكان يمكن لهذه الميزانيات أن ترصد لرعاية الحركة الشعرية العربية من خلال نشر دواوين للشعراء الشباب المتميزين الذين ستفرزهم المسابقة، وإقامة مراكز للشعر تتولى مهمة تنمية المواهب وتقدير الكبار الذين بذلوا عمرهم من أجل الإبداع، وإنشاء مجلة عربية ذات وزن كبير يلتقي عليها الشعراء العرب، أو إقامة مهرجان شعرى ستوي ينقل على الفضائيات وبهذا نكون قد فتحنا لحركة الشعر قنوات متجددة».

ألقاب مبالغ فيها

من حيث المبدأ لا يرفض الشاعر محمد سليمان، فكرة وجود برامج مسابقات تلفزيونية للشعر، تتم أمام أو بمشاركة جمهور غير متخصص. ففي أمريكا مثلا تيار ضخم اسمه تيار الكلمة المنطوقة اتهم أصحابه المؤسسة الرسمية بقتل الشعر، ونزلوا إلى الشارع وأمام المقاهي بدأوا إلقاء اشعارهم لمتلقين قد يسبون الشاعر وقصيدته، إذا لم تعجبهم. ويبرر سليمان ذلك بقوله: «إنها حالات منتشرة بسبب اليأس. فجمهور الشعر يتقلص باستمرار أمام مساحات تأخذها فنون أخرى على الشاشة. حتى فى مجال الأدب يظل الشعر هو الأقل حظا. فقد تسمع في الخارج عن رواية توزع الملايين بينما يظل الشعر بعيدا عن ذلك». ما سبق يعتبر تمهيدا منطقيا يبرر وجهة نظر سليمان تجاه هذه المسابقات: «من هذه الزاوية فقط قد يكون مفيدا أن نرى جمهورنا العربي يتابع عددا من الشعراء ويختار القصائد التي تعجبه». لكن الموافقة لا تلبث أن تتبع بتحفظات: «أعترض على بعض الألقاب التي تطلقها هذه المسابقات مثل لقب أمير الشعراء، انه تعامل مع اللقب به شىء من الترخص الضار جدا خاصة بالنسبة للشعراء الشبان. علينا فقط ان نقدم المسابقة لنكتشف من خلالها بعض الشعراء المتميزين ونشجعهم على الاستمرار. فالزمن الحالي يشهد هجرة الشعراء إلى فنون أخرى تمنح صاحبها قدرة اكبر على الوجود والاتزان النفسي. المسابقات مهمة وقد شاركت في تحكيم بعض تلك التي ينظمها المجلس الأعلى للثقافة في مصر أو هيئة قصور الثقافة، لكن هناك تزايد واضح في المسابقات التلفزيونية التي نتحدث عنها». لكن نظام التصويت لا يعتبر واحدا من السلبيات التي يشير إليها محمد سليمان، نسأله: ألا يمكن أن تسهم طريقة التصويت في ترويج شاعر رديء؟ فاستيعاب الجمهور العادي للقصيدة ليس هو المعيار الوحيد الذي يصوت عليه، وإنما مظهر المتسابق وحضوره وأيضا مدى إقبال أهل بلده على التصويت له لاعتبارات تعصبية وليست إبداعية، يجيب: «نحن بحاجة إلى أنماط متعددة من القصائد، فقد أرى أن قصيدة ما تافهة بينما ينجذب الجمهور إليها لأن لديك طبقات عديدة من المتلقين. وأنا دائما أشتبك مع زملائي شعراء العامية عندما يكتبون قصيدة النثر، واتهمهم بأنهم ينسون جمهورهم العريض الذي يجذبه الإيقاع. لا يعني هذا أنني ضد التجريب، لكن هناك طبقات من الجمهور لا ينبغي أن نحرمها من أنماط شعرية تنجذب إليها». قضيت عمرك كله في الإبداع الشعري، ويعتبر جمهورك محدودا لظروف مرتبطة بالعلاقة السائدة بين المبدع والمتلقي، عندما تجد شاعرا أقل في القيمة يصبح محورا لبرنامج يشاهده الملايين ويضمن له شهرة حقيقية ألا تشعر ببعض الإحباط؟ نسأل فيجيب: «قبل نحو عامين قرأت قصيدة لعبد الرحمن الأبنودي يقول فيها: أودي ورقي لمين (لمن أعطي أوراقي) إنها جملة باكية ومعبرة. فقصيدة الأبنودي لم تعد مطلوبة رغم كل تاريخه، وقد شكا هذه الشكوى التي تكتسب دلالة خاصة وسط كل هذا الاستخفاف والهبوط الذي نحياه، والمجتمع يتحول نحو الاستهلاك. ومن الطبيعي في ظروف كهذه أن ينحسر العمل الجاد ويصبح جمهوره مع الوقت نخبويا. ورغم ذلك أعتقد أن موضوع الغيرة أو الاحباط غير وارد، لأن الشاعر إذا وضعها في الحسبان فقد يتوقف عن الكتابة، وربما ينتحر».

© 2024 - موقع الشعر