معلومات عامة
تمت الإضافة
الدولة
عمان
المعلومات المتوفرة عن الشاعر

أبو مسلم البهلاني ....شاعر العلماء وعالم الشعراء

هو الشيخ العلامة شاعر العلماء وعالم الشعراء باجماع العلماء ناصر بن سالم بن عديم بالتصغير بن صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد المعروف بالبهلاني نسبه لهم إلى بهلا إحدى عواصم عمان الداخلية إذ كانوا من أهلها الرواحي القبيلة المعروف في عبس وهي رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عيسى بن بغيض بن ريث بن غطفان بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن مدنان كان أبوه سالم بن عديم الرواحي أحد أهل العلم في وقته فكان قاضياً للامام عزان بن قيس رحمه الله ثم بعد انحلال دولة الامام المذكور صار قاضياً للسلطان تركي بن سعيد بن سلطان جد العائلة المالكة الآن بعمان ، وكان زميله في القضاء الشيخ محمد بن راجح فهو من بيت له في العلم حظ ومن محتد لا ينقصه شرف وذلك من فضل الله على من ارتضاه من عباده ويقال ان جده عبدالله بن محمد المعروف بالبهلاني كان قاضياً في دولة آل يعرب الطائرة الصيت . مولده جرت عادة المترجمين ذكر مولد المترجم له لأن للبيئة نصيباً في تأثير القوى الأنسانية كما قرر ذلك الطبيعيون ، والوقت كذلك له أثره في قوى الإنسان ، ولد الشيخ أبو مسلم في البلد محرم من الوادي المضاف إلى هذه البلدة التي هي أعز بلاد بني رواحة في العهود الأخيرة فإن انتقال أجداده إلى هذه البلدة واستيطانهم اياها بعد بهلا أنجب مثل هذا الشيخ العلامة في رجالات هذه القبيلة موطن آبائه وأجداده وعشيرته وكان مولده في سنة 1273ويقال أيضاً في سنة 1276 للهجرة ويقال أيضاً ولد في نزوى إن صح أيا عمل والده بها.

نشأته

نشأ هذا العالم في محرم الوطن المعروف وقرأ القرآن في بلدة وآخا الشيخ الفقيه الفاضل النزيه أحمد بن سعيد بن خلفان الخليلي رحمة الله ، وبقي هو واياه زميلين في صددهما وكان هذا الشيخ آيه في قوة الفهم فأخذ من فيض البلاغة أصفاه ومن معدن النبوغ أغلاه ويقال كان من أشياخه الشيخ حمد بن سليم الرواحي وكان هذا شيخه في الأدب وعلوم الآلهة وكان هذا الشيخ من زنجبار الرجال ولعله من ذرية الشيخ عبدالله بن صالح زعيم رواحه في وقته ذلك ظنً لم أجد تحقيقه وكان تاريخ ميلاده في سنة 1273 كما تقدم أو في سنة 1277 في مقال آخر ولعله عن ولده مهنا في نقل بعضهم وكان هذا الشيخ أهل الأسرار كما أنه عميد الأشعار وهو في الفقه يعد من العلماء الكبار كما تحدثت عنه مؤلفاته البديعة ومصنفاته القيمة في الفنون العديدة .

انتقاله إلى زنجبار

شاءت عناية الله أن انتقل هذا الشيخ إلى مدينة زنجبار سنة 1295 وهو إذ ذاك في أخر العقد الثاني من عمره أو في أول الثالث وزنجبار إذ ذلك في عصرها الذهبي بل في عصرها العربي بل في عصرها العماني عصر السلطان برغش بن سعيد بن سلطان سلطانها الجليل ومليكها النبيل الذي كان الأدب العطوف على أهل عمان والذي سوف نتكلم عنه أن شاء الله في تاريخنا عمان عبر التاريخ وقد وقف الآن في عهد السلطان سعيد بن سلطان الجامعة الثانية لهذه الدولة البوسعيدية لأن الشيخ سالم بن عديم الرواحي والد الشيخ المترجم انتقل كغيره أعيان أهل عمان إلى حمى ذلك السلطان فكان السلطان المذكور كان المعني بقول القائل في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكانوا يقبلون على حماه كأسراب الظباء رأت معينا أي ورداً صافياً أو كالأسود رأت عرينا فلحق هذا الشيخ بأبيه وكان أبوه من قضاة السلطنة المذكور ولم يترك بعمان من أخبارها وأفاضلها إلا اجتلبه إلى زنجبار كما أخبرني بذلك الشيخ حمد بن سليمان بن ماجد الخروصي من أهل سفالة سمائل وكان هذا الشيخ من حملتهم بل هم هذا السلطان أن لا يبقي بعمان من أخبارها أحداً إلا جلبه إلى زنجبار ليكونوا جمالها العربي وأظهاراً السرف عمان في وجوه أهل أفريقيا فاجتلب أهل عمان تقديره واحسانه وفضله وامتنانه فكانوا يزورون عمان ويوطنون زنجبار ، وكان هذا الشيخ المترجم من جملتهم فانه زار عمان سنة 1300وبقي بها قدر خمس سنين ثم عاد إلى زنجبار لأن كل من خرج منها حن إليها لرعاية السلطان المذكور فإن عواطفه تجذبهم إليه ولما رجع هذا الشيخ إلى زنجبار ألقى بها عصا التسيار وحط رحله بها واستوطنها بكل معنى الكلمة قتال من زعماء العائلة السعيدية كل جميل بحيث نام على وطئ الفراش الرسوم باسم الراحة والرفاهة والنعمة الكافية والمنة الوافية ، حتى عهد السلطان حمد بن ثويني فكان عنده خصيصاً وإليه ألقى هذا السلطان بحُكم القضاء في زنجبار وأسند إليه المهم من الأحكام فكان مع حمله لفقه الشريعة له فكاهة شعرية تعتبر عن الأدب العربي يتغنى بها في تلك الربوع الوارقة الظل بمناخ لا يلم به عاب إلا الأداء بولا يعرف فيه المتراب بين الأعيان من أهل عُمان في مدينة تزخر بالخيرات وتفيض بالبركات ، تنسي من نزلها بأنسها وتسب من حل بها بجمالها وتجتذب من طاف حول حماها برونقها الزاهر الزاهي بحُسنها ، وكم من رجال عُمان تركوا أوطانهم فلم يعودوا إليها وكم استولت إلى عهد قريب على الكثير من أبطالها فهجروا بلدانهم ، وهنا وقد انضجت الأيام هذا الشيخ فتجرد للعلم في خلواته واجتهد في تحصيله في ساعاته وبذل وسعه له فبرز قرانه وأعلا بنيانه وملأ عيبته حتى أضحى يشار إليه بالبنان بين الأقران . وما برز على هذا الحال في نشاط أنساه راحة النفس والجسم حتى رفعت له الأيام على الاعتراف بقوة علاميته ونبغ له الوعي في الفنون العديدة كما برع في الفقه وأصول العقيدة يدرك ذلك منه أمعن النظر في رسائله الوفية ولسان حال ترجمان عقله يقول :

ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ ----وإن خالها تخفى على الناس تعلم

والعلم كالمسك وإن أخفيته فظهوره منتظر طبعاً وما زال لسان حاله يقول لزملائه أعط العلم كلك يعطك بعضه بل يقول لسان حاله :

أأبيت سهران الدجى وتبيته ----نوما ًوتبغي بعد ذاك لحاقي .

فذلك الحال هو الذي أهله بأن يتولى القضاء ثم أهله بأن يتولى رئاسة القضاء بين رجال العلم الذين هم أشهر من نار على علم منا ومن غيرنا كانوا تحت علمه الخفاق بأصول الدين وأصول الفقه وقواعد السنة النبوية فإن ذلك يشهد له به تأليفه الذي ربما نستطيع أن نصفه أو نشير إليه من بعيد وقد أخبرني جملة من أهل العلم الذين عاشوا في زنجبار عن أحوال هذا الشيخ التي تخلد له حسن الأحدوثة في أمته وفي وطنه وفي ملته ، فإنه قام بواجبات عديدة وأحرز قصب السبق في ميادين النضال العلمي فكان ولا يزال في الرعيل الأول بين أترابه وكانت له نوادر أدبية حيرت عقول الكثير من أترابه ومعاصريه وله قصيدة في الرد على مُدعي رؤية الباري لها أهميتها في الأصول المعقولة والفصول المنقولة بحيث تعتبر دستوراً في فنها ، ولو في البلاغة ما يعترف له به أعلام الحقيقة والمجاز وقد ألجم الخصم وأفحم المجادل في القواعد الشرعية وله قوة الذاكرة ونشاط الوعي وأعمدة الإخلاص لله ولرسوله في أقواله كلها ، إنه بحق أقول في عهده وحيد وفي عصره فريد وفي قصده مجيد ، قام في أمة ساذجة إلا في أغراض خاصة سماه بعضهم شاعر مصره وقال آخرون شاعر عصره وفي كلام فريق آخر شاعر العرب وكما هو شاعر العرب هو علامة قوي الإدراك فقيه ملي ولغوي قوي وتلك هي مواهب الله لعبده وليعلم أن علاميته الشعرية ليست بأعظم من علاميته الشرعية فإنه جعل الشعر أغانيه في خلواته التي يستريح إليها فيصغي إلى طنين رأسه للاسترواح لا غير لم يجعل الشعر حرفه يتكسب بها كما يظن بعض الناس إنما اقتضت بعض المناسبات قول الشاعر ليعبر به عن مقتضى الحال وله اليد الطول في السلوك والدعوات الإلهية في مراحل يعجز أن يأتي بمثلها شاعر وناشر وله في الملة ما لا يعرف لغيره وله في أصول الأدب العربي ما لم يكن لابن دريد ومقصورته التي قال فيها بعضهم الدريدية الثانية وأن أقول هي الأولى وهي الثانية ، إنه كان يُكافح عن المذهب الكفاح المرير الذي لا يقدر عليه غيره وهيهات أن يقدر على اقتحامه المعترض ولقد نادى رافعاً عقيدته بمذهبه بين أعلام المذاهب فبرز من رامَ نقض بنآته وعند ذلك قال : قل للذئاب الكاسرات ... عزَّ الحمى وأعز منه الحامي ذلك بعد ما قال :

طَنبتُ بالوادي المقدّس خيمتي ----ورعيت ُبين شعوبه أغنامي

إن هذا الشيخ ما كان شاعراً كما يظنه الخليون الذين رأوا قصائد استعطافه للسلطان حمد بن ثويني ذلك لأنه يعرف قدر السلطان وماله من الحق ولم يكن يستخف بسلطانه حاشاه ولكنه شيء اقتضاه الحال بل الرجل من العلماء الاجلاء ومن الرجال البارزين ومن النصحاء المخلصين لأمن المتملقين المتفيهقين ولم يكن أضاع حياته في أودية الشعر بل أحياها في رياض الفقهاء بل وضعها في حدائقه الزهراء الزاهية فهو من الناحية الفقيه العمد التي يحسن السكوت عليها ومن الأدبية البيئة الصالحة فأين شعره الذي قدمه للأمراء لطلب الجدوى والجواب عن السؤال لا شيء من ذلك في هذا السبيل بخلاف الذين ينتقلون من بلد إلى بلد يأملون الرياش بالشعر وإن لم يكن في أهله ، حاشاه أنه الوحيد في مضماره والفريد في أشعاره وإذا لم تر لهلال فلم لأناس رأوه بالأبصار .

خلقه

كان خلق أبي مسلم الدماثة واللين في غير خلاعة كان معروفاً بالكرم النادر في أيامه كان بابه مفتوحاً للوارد والصادر غير معقد لأجل شيء من دنياه بل لا يرى في الدنيا شيئاً ينبغي أن تشح به النفس أخبرني عن كرمه الحاتمي من عاصره وعاش بالقرب منه وهذا هو خلق العلماء الذين يستحقون الوصف باسم العلم فإن الدنيا رأس كل خطيئة ولا يشح بها إلا المشغوف بحبها والعياذ بالله ، وتوفى رحمه الله يوم ثاني صفر سنة 1339 عن عمر احتوى على ست وستين عاماً قضاها في السبيل الصالح .

شعره

إن شعر أبي مسلم بليغ منسجم خال من التعقد اللغوي أو التخالف الصرفي أو الغرابة والتوحش أو التنافر المذموم بأصل الوضع لأن يد البيان عنده لا تزال قادرة على صياغة حكمته بحيث يعترف له أهل الأدب بحسن الصنعة وقوة البناء والقدرة على التركيب فإنه علامة في هذه المجالات وله اليد الطولى في البلاغة والفصاحة . وكان شعره في منتهى الرصانة يسبق إلى الذهن فهمه ويأخذ بمجامع القلب فحواه من جميع النواحي وتلك مواهب الله عز وعلا . أما أنواع شعره لا يمكننا الآن أن نخوض فيها وفي مقتضياتها لأنها متعددة المناحي تستدعي فراغاً لا نملكه الآن لأن الطلب كان مستعجلاً ولم يجعل لنا وُسعاً لهذا المقام الهام فنرجأ ذلك إلى وقته ولكن نقول الآن إنه في منتهى الجزالة وفي غاية البلاغة والفصاحة ولا يعلق به عاب ولا يوجد فيه انتقاد عند ذوي الألباب ولا شك أن شعره يمتاز عن شعر غيره كامتيازه عن غيره من الشعراء بالفقه ، وأن لشعره تأثيراً في النفوس الواعية لخصائص اختص بها في مقتضيات أحوال جاء بها وأنه يختص برحمته من يشاء .

© 2024 - موقع الشعر