اليتم درب الغنى! - أحمد علي سليمان

إنما اليُتمُ يَسَارٌ وغِنى
وانتصارٌ رَغم ألوان العَنا

وابتشارٌ بالخيور ازيَّنتْ
واعتلتْ حِصنَ التحدي مَسكنا

كابدتْ أمٌ ، وجافى زوجُها
وأتى فِعلاً دَنيئاً أرعَنا

لم يكنْ في قلبه الجافي وفا
ولآيات الهُدى ما أذعنا

أزه العِندُ ، وأغراهُ الأذى
لم يكنْ فيما ارتآهُ مُحسِنا

وانبرى يهذي بأشقى حُجَّةٍ
بكُليماتٍ تبدَّتْ مَطعنا

أنكرتْ أمٌ وقالتْ رأيها
لكن الزوجُ لحق ما انثنى

قال: هذا ليس مني ، فافهمي
لستُ أهوى قط أن يبقى هُنا

فمضى الابنُ البئيس المبتلى
بعد أن ضاقتْ على الساري الدنا

ثم جَنَّ الليلُ ، واسودَ الدجى
ومِن الظلمة قد يأتي السنا

جعلَ السُّكنى بأرجى مسجدٍ
وعلى الحُسنى (إمامٌ) بَرهنا

بذلَ الخيراتِ ، لم يبخلْ بها
جَلَّ سَمْتاً ، وتسامى مَعدنا

وأهالي الحي ساقوا جُودَهم
وأنالوا الأعزبَ الشهمَ المُنى

زوَّجوهُ حِسبة ، يا سعدَهم
فإذا بالعيش يُشجيه الهنا

زالَ عنه اليُتمُ ، باتوا أهله
وتوَلتْ كل أصناف الضنا

وغزتْ تفكيرَه أمٌ نأتْ
بدُعاها الابنُ باهى ، واغتنى

كيف ينساها ، ولم تغدُر به؟
هل له عنها بما قالت غِنا؟

نصبَ عينيه زهَتْ أطيافها
كلُّ طيفٍ غالَ كرباً مُحزنا

بضعة الأعوام أمستْ أدهُراً
وكأن البُعدَ وافى أزمُنا

زارها والأنسُ يُشجي قلبه
وإذا بالدمع يُزْكِي أعيُنا

غربة طالتْ ، وشبَّتْ نارُها
وحبيبُ الروح فيها أمعَنا

رحَّبَتْ بابن وزوج أشرقتْ
وحفيدٍ بالتلاقي دَندَنا

قال: يا أماه دنيا أقبلتْ
حوَّلَ الرحمنُ صعبي هيِّنا

دعوة هذي استُجيبتْ صدِّقي
وغدا حالي ببُعدي أحسنا

فافرحي لي ، واقرئي أقصوصتي
قصة التمكين طابت والغنى

ما اختفى منها لقد أعلنته
كل سر في حياتي أعلنا

ازرعي الآمالَ في نفس خبتْ
عزمُها بالقهر أضحى موهنا

كل حي سيُوافى رزقه
كاملاً مستكملاً قبل الفنا

أعلِمينا أنما اليُتم مَضا
وسبيلٌ للتنامي والبنا

وقضاءُ الله باليُتم قضى
لليتامى أن يُنادوا: ربنا

مناسبة القصيدة

(يحكى أن أمراة تزوجت بعد وفاة زوجها ، وكان لديها طفلٌ واحدٌ من زوجها السابق ، وكان يبلغ من العمر ثلاثة أعوام ، وانتقلت المرأة إلى منزل زوجها مع ابنها بعد زواجها من الرجل الثاني. وكان غنياً جداً فلم يعترض الزوج على بقاء الطفل في منزله مع أمه! وبعد مرور عاما أنجبت المرأة طفلاً ، وشعر الزوج بالسعادة الغامرة ، ولكن بدأت مشاعر الزوج تتغير باتجاه ابنها اليتيم. حيث توقف عن اللعب معه ولم يعد يهتم به مثل السابق ، وأصبح لا يطيق وجوده في منزله الواسع. وفي أحد المرات عاد الرجل من العمل ومعه دراجة هوائية لابنه! وكانت الأم تتألم بشدة وهي ترى ابنها اليتيم يشاهد أخاه بحزن وهو يلعب ويتجول في المنزل فوق دراجته الجديدة! فتحدثت الأم مع زوجها ، وطلبت منه أن يجلب دراجة أخرى لابنها اليتيم مثل أخيه ، ولكن الزوج رفض بشدةٍ ، وأخبرها بأنه ليس مسؤولا عنه ، وإذا لم تتوقف عن الحديث عن ابنها فإنه سوف يقوم بطرده من المنزل ، فشعرت بالخۏف على ابنها ، وتقبلت الأمر خوفاً على فقدانه! وقبلت الأم أن ترى ابنها يعيش حياة مريرة وقد ملئت هذه الحياة ظلماً وحزناً وقهراً وألماً أفضل من أن لا ترأه نهائياً! ومضت الأيام ، وكبر الأولاد ، وقام الزوج بتسجيل ابنه في أحدث المدرس الأهليه ، ورفض تسجيل ابن زوجته فيها ، وقال: أنا لست والده ، لكي أهدر أموالي في تعليمه! وفي النهاية هو لن ينفعني ، ولن يحمل اسمي ، فأجابت الأم بغضب ، وقالت: نعم ربما لا يكون من لحمك ودمك وليس ابنك ولن يحمل اسمك. ولكن هذا لا يعني أن تحرمه من التعليم ، وتتركه يعيش في ظلام الجهل ، أليس في قلبك ذرة رحمة وشفقة؟! ألا تعطف على طفل يتيم؟! فقال لها متجهماً: لقد طفح الكيل ، أنا لم أعد أحتمل وجوده هنا ، ولا أريد رؤيته في منزلي! وهنا اقترب الصبي من أمه ، ومسح دموعها ، فنظرت ٳليه نظرة عطفٍ وحنان وإشفاق! فقال لها وهو يبكي: لا تحزني يا أمي ، لا يوجد شيئ يستحق أن تذرفي دمعة واحدة من دموعك من أجله ، لقد تعبت وأنا أرى ذلك العجوز يقوم بٳهانتك كل يوم من أجلي! ومن أجل أن تكوني سعيدة ، سوف أرحل وأترك المنزل! وودع الصبي أمه ، وحمل ملابسه ، وغادر البيت! وأصبح قلبها يشتعل ڼاراً! ويوجد أسئلة كثيرة لا تعلم أجوبتها: إلى أين سيذهب هذا الفتى الصغير؟ وأين سوف يعيش؟ وأين سوف يأكل؟ وماذا إن مرض؟ من الذي سيداويه وسيهتم به؟! كل هذي الأسئلة كانت تطرق رأسها ، ثم رفعت يدها الى السماء وقالت: اللهم إني استودعتك ابني اليتيم ، فتكفل به واحفظه ، وأعده لي سالماً غانماً ، كما أعدت موسى – صلى الله عليه وسلم – لأمه! ومرت سُويعات ، وعاد الزوج من العمل نظر إلى زوجتة فوجدها سعيدة مطمئنة. فتعجب من أمرها ، كيف تبدو سعيدة ولم يمر علي رحيل ابنها بضع ساعات! فسألها: لماذا أنت سعيدة ولست حزينة على رحيل ابنك؟! فابتسمت ثم قالت: لقد تركت أمر كفالته على من يستطيع رعايته وحمايته وهو الوحيد القادر على فعل كل ذلك دون ملل وكلل ودون أن يطلب مقابلاً أيضاً! فقال متعجباً من هو؟! فقالت: إنه الله رب العالمين! فضحك ساخراً ، وقال: العالم في الخارج لا يرحم مسكيناً ، ولا يشفق على جائع! يبدو أنك فقدت عقلك! ومضت عجلة الزمان ، وبعد مرور سنواتٍ قليلةٍ عاد ابنها لزيارتها وهو يحمل طفلاً بيده ويصطحب امرأة برفقته. فسلم على أمه. فقالت وهي في غاية السعادة: من هذه المرأة؟! وابن من هذا الطفل؟! فأجابها بدون إبطاء: هذه زوجتي وهذا ابني. فقالت: كيف استطعت أن تكوِّن حياتك وأنت ليس لديك المال ولا مأوى لك ولا عائل؟! فقال لها: في الحقيقة أنا لا أعلم كيف عصفت بي الحياة ، لقد كنت تائهاً وحيداً ، لا أدري إلى أين أذهب. ثم توجهت إلى أحد المساجد في قرية صغيرة ونمت. وكنت أبحث في النهار عن عمل وفي الليل أعود الى المسجد! فأخبرت ٳمام المسجد بقصتي وثم أستأذنت منه أن يسمح لي بأن أبات في المسجد حتى أجد مكاناً ، وافق وكان يطعمني كل يوم وكنت أقوم بتنظيف المسجد. وفي أحد الأيام مرض الٳمام فتقدمت أنا بالناس ومنذ تلك الليلة وأنا أصلي بالناس. وبدأ الناس يتقربون مني ، وأصبح الجميع يحبونني ويحترمونني. ثم عرضوا علي بأن أتزوج من فتاةٍ يتيمةٍ ليس لديها سوﻯ جدتها ، فوافقت ، وتكفل جميعهم بكل شيء. وتزوجت وبعد فترةٍ قصيرةٍ توفت السيدة العجوز! وحصلتْ زوجتي الفاضلة على قطعة أرض من ورث جدتها. وقمت بزراعتها وتحسنت أوضاعنا والحمد لله. أصبح لدي الكثير من الأراضي الزراعية! وهنا بكت الأم من شدة السعادة وعلمت بأن الله استجاب لدعائها. ولكن لم يكن الزوج مصدقا أنه سوف يعود في يوم من الأيام شخصاً غنياً! وجاء وتحدث إليه وقد زالت الأحقاد والضغائن ، حيث أيقن زوج أمه أن الله تعالى قد تكفل بالصبي ورعاه! فقال: ونعم بالله! وإذن فاليتم حقيقة درب الغنى والعفة والاعتزاز!)
© 2024 - موقع الشعر