فاعفوا واصفحوا! - أحمد علي سليمان

دَعُوا الخِلافَ ، وخلوا الهجرَ والكَدَرا
إن الخلافاتِ دَوماً تُعقِبُ الضررا

واستبعِدوا اللومَ والتوبيخَ صُبحَ مَسا
كم يُوغِرُ اللومُ صَدراً كان مُبتشِرا

واستهجِنوا فِتناً تُودِي بقوَّتكم
وأرجعِوا في الذي أتيتُمُ البَصرا

وأرجعِوا مرة أخرى ليُخبرَكم
بأنه آسفاً قد عادَ مُنحسرا

ذَروا القطيعة ، إن الوصلَ هازمُها
كم يَجلبُ الوصلُ صَفوَ العيش والسمرا

خلوا التشاحُنَ ، كم شحناءَ ضاقَ بها
قلبٌ إلى مَحوها كُلياً افتقرا

وزايلوا الخَذلَ ، نارُ الخذل حامية
وكم فؤادٍ بها مخذولاً استعرا

ولا تسِيروا على دروب مَن رحلوا
كي تُدركوا العز والتمكينَ والظفرا

خلائقٌ طويَتْ بالموت صفحتُهم
ومِن مصائرهم لن يُدركوا وَزرا

واستمسِكوا بخِلال الخير ، إنَّ لكم
عند المليك بها الأثمانَ والأجُرا

وأكثِروا الصفحَ تشتاقُ الحياة له
شوقَ المحبين إما شوقهم ظهرا

إن التغافل عن أخطاء رفقتكم
يُطهِّرُ الحُبَّ ، عَز الحُبُّ إن طهُرا

تغافلوا تمْلكوا القلوبَ قانعة
بالود يُذهِبُ سوءَ العيش والكدرا

وإنْ بدتْ شُبهة فاحت شناعتُها
فناقشوا نصَّها ، واستأصلوا الشررا

وليس يكفي اعتذارٌ في مناظرةٍ
ومَن سَفيهٌ لجَدوى الشبهة انتظرا؟

بل أخرجوا كل ما في الصدر مِن شُبَهٍ
بها يَصيرُ صفاءُ العيش مُعتكرا

وصارحوا بعضكم أصفى مُصارحةٍ
كي تنفضوا باطلاً مُستبشعاً أشِرا

وفندوا الشائعاتِ الزيفُ يَدمَغها
ولفظها بالضلال الواضح ائتزرا

لا صِدقَ يُسعفها حتى تَطِيبَ لكم
هي افتراءٌ بدا في ظِله انحصرا

وواجهوا أهلها بلا مُواربةٍ
وألقِموا مَن بَغى ترويجَها الحجرا

كم أحدثتْ شائعاتُ البُلهِ جرحَ أذىً
والقلبُ مِن هولها دَماً قد اعتصرا

لا تَضْمِدُوا الجُرحَ ، والصديدُ يَغمرُهُ
بل أخرجوا ما به قد غاب واستترا

فليس تُشفى جراحٌ ضُمِّدتْ خطأ
ولا تقولوا: قضاءٌ أصبحتْ قدرا

بعضُ الجراح إذا ما خمِّشتْ لفِظتْ
ما تحتويه إلى أن فاح وانتشرا

ألا انبشوها إلى أن تستحيلَ دَماً
فلا نرى لصديدٍ خلفه أثرا

أما إذا ضُمِّدتْ بلا مُعالجةٍ
مَن قال: تبرأ كان القولُ مَحضَ هُرا

تُودي بمن جُرحوا بدون مَرحمةٍ
وهل سيُبرئُها طِبٌ إذا اعتذرا؟

وأنزلوا الناسَ يا قومي منازلهم
وانأوا بأنفسكم ، لا تُصبحوا غجراً

فللكبير بلا مَنٍّ مكانتُه
وللصغير حدودٌ حَدُّها سُطِرا

مَن فارقَ الدارَ فلتُحفظ كرامتُه
لا تُستباحُ ، وإلا لستُمُ بَشَرا

كذا حقوقُ غريب الدار قد حُفِظتْ
وليس يَقضِي بها مُستهترٌ وَطرا

ولتشكروا لأولي الأفضال ما بذلوا
مِن الجميل ، يَزيدُ الله مَن شَكَرا

لا خيرَ فيمن جميلَ الناس أنكره
ويَشكرُ اللهُ مَن جميلهم ذكَرا

حتى متى تُهدِرون الحقَّ بينكُمُ؟
وكيف يُفلحُ مَن للحق قد هَدرا؟

كاد التمزقُ يُضنِيكم ويُضعِفكم
وما أخذتُم لِمَا يُردِيكمُ الحذرا

كاد التفرقُ أنْ يُزيحَ هيبتَكم
فلتطرحوا ضعفكم واللؤمَ والدَّبَرا

أما اعتبرتُم بموت الفجأة ، انتبهوا
زيدٌ قضى ليله ، لم يُدركِ السحَرا

يا(زيدُ) قم لصلاة الفجر ، إن لها
عند المهيمن حُسناها لمَن حَضرا

لكنَّ (زيداً) أبى أن يَستجيبَ لمن
أتى يُذكِّرُه ، وبالندا جهرا

الموتُ يأتي الورى بغير موعدةٍ
فلنستعدَّ له ، ولنُعمِل الفِكَرا

وليس يستأذنُ الإنسانَ إنْ قضِيَتْ
أيامُ رحلته ، بل يَحصُدُ العُمُرا

الروحُ قد صعِدتْ لله خالقِها
والجسمُ مِن بعدها في تُربةٍ قبِرا

لا يَذكُرُ الموتَ إلا عاقلٌ فطِنٌ
يبكي إذا ذكَرَ الرحيلَ والحُفَرا

يُصِيبُه الوَجدُ إنْ صلى جنازته
وعاد منها كسيرَ القلب مُعتبِرا

فلتبدأوا صفحَكم والعفوَ عن رغبٍ
وغلّبُوا في الحياة المَنطقَ النضِرا

هذا القصيدُ لكم عِيدية حَفلتْ
بخير نصح يَفوقُ المالَ والدُّرَرا

ولستُ أدري لعلي بعدُ مرتحلٌ
فقد بَذلتُ وصايا فذة غرَرا

فإن رحلتُ فأوصِيكم وأنصحُكم
وفاز عبدٌ بأمر الخالق ائتمرا

تمتعوا بحياةٍ لا تُخالطها
بَغضاءُ تجعلكم في ذي الدنا عِبَرا

لا تقطعوا هذه الأرحامَ ما طلعتْ
شمسٌ ، وما أبصرتْ عيونكم قمرا

إن المهيمن يومَ البعث سائلكم
عما نهى عنهُ يا أحبابُ ، أو أمرا

هذا ابنُ عمِّك لا تقطعْ عَلاقته
عامله بالرفق ، لا تُكثرْ لديه مِرا

وأختُه منك ، والأنسابُ تجمعُكم
يا صاح راجعْ ضميرَك أمعِن النظرا

بلغتُكم ، والقصيدُ العذبُ يَشهدُ لي
وأصدقُ الشعر ما بجُرحنا شعرا

بَرئتُ مِن قاطعي الأرحام أجمعِهم
على البراءة قد أشهدتُ مقتدرا

يا رب فاشهدْ بأني لن أسامحَهم
إما حييتُ ، وإنْ أمسيتُ محتضرا

إلا إذا ذكروا مُبرراً وَجِهاً
مُفنداً بصريح القول مُعتبَرا

ووفق الله مَن أصغى لمَوعظتي
وأدَّبَ النفسَ بالطاعات ، وازدَجرا

يا رب وانفعْ بشعري كل مَن قرأوا
فالشعرُ كم ينفعُ الأكياسَ والبُدُرا

مناسبة القصيدة

(لا ينبغي على الأجيال الناشئة البريئة أن تسيرَ على خطى الأجيال الراحلة إلا في الخير والمعروف! ولتحرصْ هذه الأجيالُ على الود والحب والتواصل والعفو والصفح والعطاء! ولتتنازل عن الحقوق الشخصية دائماً من أجل الحقوق العامة! ولتدرك ما للآخرين من الحقوق! ولتُنزل الناسَ منازلهم ، ولتفتحَ صفحة جديدة من التعامل النزيه المخلص! ولتترك للأجيال الراحلة دربَها وأسلوبيتها!)
© 2024 - موقع الشعر