(اذكُر دراجتك وقفاصتها!) - أحمد علي سليمان

عَيَّرْتني بالفقر ، قلتُ: كَفاكا
قلبي قلا المُتزيِّدَ الأفاكا

وأنا تحمَّلتُ الكثيرَ تكلفاً
وأنا - مِن التعيير - لا أتشاكى

لكنْ غِناك أنا الفقيرُ وراءهُ
سَببٌ إليكم ساقه مولاكا

صَدَّقتني ، كذبتني ، سِيان يا
لُكَعاً تملقَ ، ثم عِرضيَ لاكا

لم أنسَ يا مُتخرصاً دَراجتي
فيها نظِمتُ الشعرَ يُخرسُ فاكا

والنصُّ في القِرطاس يَغمرُ مُهجتي
طرباً ويُطري الطِرسَ والمِحراكا

دراجتي تركتْ لديك أمانة
هل صُنتها مُستعففاً؟ حاشاكا

كانت مُعَززة لديك مُصانة
ولديك أدمت بأسها قدماكا

ما كنتُ أعرفُ عنك ما مارسته
مِن خِسَّةٍ ، يا جَعظريُّ كفاكا

وظننتُ بالنصاب ظناً خيِّراً
وزعمتُ أنْ أرتاح حين أراكا

وأنا رددتُ على الصحاب طعونَهم
وكأن عيني ما رأتْ إلاكا

كم حذروني منك يا مُتطاولاً
وأنا أجَلي السوءَ عن ذِكراكا

كم فصلوا عنك الحقائقَ مُرَّة
تُنبي وتُخبرُ عن شديد جَفاكا

كم بيَّنوا أعتى المواقف ذِكرُها
يُزري ، وليس يُشَرِّفُ النساكا

أنا ما نسيتُ الفقرَ يَدفعُ عَزمتي
وببحره كم ذا طرحتُ شِباكا

أصطادُ من مَرجانه ولآلئاً
وتركتُ غيري يَحصدُ الأسماكا

أنا ما نسيتُ الفقرَ يَصقلُ همتي
لأعيش بين العالمين ملاكا

ورثيتُ أيام الخصاصة أشرقتْ
شمساً تُداعبُ - في السما - الأفلاكا

أنت الذي أنسِيت ماضيَك الذي
كم كنت مِن أحواله تتباكى

وغفلت عن أشقى الحوادث جَندلتْ
رَهطاً تعول ، وسببتْ بُؤساكا

وطمست إملاقاً شربتَ كؤوسَه
حتى اشتكيتَ إلى الورى شجواكا

ومن الذي يُصغِي لشكوى شامتٍ؟
وظللت وحدك باكياً تتشاكى

اذكُرْ صديقاً كان يَقسِمُ رَاتِباً
ليُقِيلَ عنك بما يجُودُ ضناكا

ليُغِيثَ أسرة عائل عانى الأذى
ويقول: مالي يا صديقُ فِداكا

واذكُرَ صَديقاً كان يُعطي درسه
متطوعاً ، وقد اكتفى بدُعاكا

واليوم تجهرُ بالمُعايرة ، احترمْ
نفساً يُجندِلها حقيرُ هواكا

أنسيت برذوناً له عَربانة
خشبية ، بهما تجُوبُ قراكا؟

أنسيت زرعَ الأرز حولك يانعاً
والزرعَ زرعَك مُجهداً ناداكا؟

يشكو (الدِّنِيبة) خلفتْه مُفرَّغاً
يرنو إليك ، فهل غفتْ عيناكا؟

يَحتاجُ للتغليت حتى ينتشي
ويكونَ إنتاجٌ يَحوزُ رضاكا

لكنْ ، وأنى تستجيبُ لما دَهى
زرعاً ، وربي بالغباء دهاكا؟

أنسيت ماشية شرقت برَعيها؟
لو خيِّرتْ لرأتْ بأن ترعاكا

فار الحليبُ ، ولم تُحصِّلْ حالباً
فعلا الثغاءُ تلوكُهُ أذناكا

وضُروعُها يبسَتْ ، فهل أنقذتها
لتحوز مِن إنقاذها نُعماكا؟

أنسيت دارَك والشروخُ تؤزها
وتقول: بي – يا غافلاً – رُحماكا؟

وعجزت عن ترميمها حتى اشتكتْ
وقلا الجدارُ الساقط الشبَّاكا

والسُّلمُ المسكينُ هدَّده الفنا
ولفقر جيبك ما استطعت حِراكا

والسقفُ أزتْه الشقوقُ فصُدَّعتْ
عِمدانُه ، ونعَتْ إليك هلاكا

أنا لا أعايرُ ، إنما التاريخ في
سرد الحقائق بالسياط علاكا

ارجعْ إلى التاريخ ، وافتحْ سِفرَه
تلقاه مُرتصداً يقودُ خطاكا

أم كنت وحدك لا تُعاينُ ما نرى
وتقولُ لم تنصِتْ لغير صَداكا؟

أم عِشت في دنيا جهلنا شأنها؟
فأبنْ لنا يا مُفتر دُنياكا

مادام بيتُك من زجاج ، فامتثلْ
أدبَ الحِوار ، وخل عنك حَصاكا

فالناسُ عندهمُ الحَصى مُتكدساً
والبدءُ منك بما جنتْه يداكا

يرمون بيتك بالحجارة جهرة
ويُحطمون بما افتريت حِماكا

أنت الذي أدليت دَلوَك ساخراً
مني ، ونِلت كرامتي بعصاكا

ولقاؤنا عند المهيمن ، فانتظِرْ
لتنالَ في يوم القضاء جَزاكا

يَقتصُّ ربي منك كل مَظالمي
وهناك تلقى عنده عُقباكا

مناسبة القصيدة

(صديقان كانا من وسط واحد ، فلم يكن يتميز أحدهما عن الآخر بغنىً ولا بجاهٍ ولا بمال ولا بحسب ولا بنسب! اللهم إن تفوق وامتاز أحدهما عن الآخر بكثير في العلم الشرعي واللغات الثلاث: العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وشعرها ، والإنجليزية ، والفرنسية! بينما تفوق الأول في الفارق العمري بينهما ، حيث كان الأول في مقام أبي الثاني! ولكن هذا التفوق والشهادة الجامعية لم تُغيِّر قلبَه تُجاه صديقه! ذلك أن علاقتهما قامت يوم قامت في الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام! هذا فيما يبدو للناس من ظاهر أمرهما! وشاء الله تعالى أن يُغنيهما معاً من فضله العظيم! وإن كان أحدهما صاحب العلم سبباً مباشراً في غنى صديقه وانتشاله من وهدة الفقر والعوز والحاجة ، إلى الغنى الذي جعله يتمرد على صديقه وينسى الصداقة ويعير صديقه بالفقر الذي كان عليه بالأمس القريب! ذلك الصاحب الغريب والصديق العجيب الذي انقلبَ بعد الغنى إلى عدو حقودٍ شامت خذول! والذي بلغ من وقاحته ورذالته ووبشنته أن يقول لصديقه: (اذكرْ دراجتك وقفاصتها!)
© 2024 - موقع الشعر