حميد الله الهندي - أحمد علي سليمان

يا شِعرُ حَيّ عليّ الهمّة الهندي
ومَن به قامَ شأنُ السِند والهندِ

حيدرآبادُ لكِ الفخارُ مُؤتلقاً
بذلك الفذ جَمّ العلم والرُشْد

مَن نضّرَ العلمَ للطلاب عن رَغب
وعاشَ للخير في هذي الدنا يهدي

لم تُلهه مُتعُ الدنيا وزخرفها
عن أن يخصّ علوم الشرع بالرفد

عن النبوة خط السِفرَ يدفعُه
حبُ النبي إلى الإتقان والجد

وعن خِلافتنا كم ذادَ مُدّرعاً
بالعِلم يَردعُ أهلَ الدس والكيد

ويَدحضُ الشُبَهَ القعساءَ محتسباً
مُستحضراً أدواتِ الأخذ والرد

كم قادَ في الغرب للإسلام خندمة
يصدّ غائلة المُستشرق الوغد

أجادَ سبعاً من اللغات مجتهداً
وكان سخرها في باحة النقد

وقاد في (تركيا) معامعاً رُصِدتْ
إذ خط عنها ذوو التنظير والرصد

فكم هنالك ألقى من محاضرةٍ
يُبينُ الحق رغم الضيق والقيد

سبعون سِفراً له من بعدها مائة
في صد أهل الهوى والزيغ والعِند

وكان ترجمَ معنى الذكر يُرشدُهم
كي يعلموا كلمات الخالق المُبدي

وخط في الفقه أسفاراً لها ألقٌ
وعند رب الورى أجرٌ على الجُهد

وفي التراجم والأنساب كان له
سِفرٌ يُوَصل بين الإبن والجد

له المقالاتُ يختالُ البيانُ بها
وللمهيمن كلُ الشكر والحمد

أنْ سخر الشهمَ للتغريب يقمعُهُ
حتى يَفيئ لأمر الله والهَود

حَميدُ بُؤت بها شرافة عَظمتْ
بها بلغت الذرى في العز والمجد

سل (الفرنسيسَ) آلافاً تُبَلغهم
هداية الله خير النهج والقصد

كانوا ثلاثين ألفاً أسلموا ، ولكم
من توبة القوم بعضُ الأجر والفيد

عِفت الزواجَ لأجل العِلم تكرمة
وفت حظك مِن زوج ومِن وُلد

نِعمَ العِصامية المُثلى عُرفت بها
لا مَنّ مِن (حَفصةٍ) كلا ولا دَعد

وذات يوم أتتْ (حَميدَ) جائزة
جاءتْه تسعى بلا شرطٍ ولا قيد

فقال: كلا ، أنا لله ملحمتي
مع الكتابة والتأليفِ يا عبدي

(حَميدُ) أدخلك الرحمنُ جنتهُ
فهل ترى عِوَضاً عن جَنة الخُلد؟

تلك التي وعَدَ المليكُ مَن رَشَدوا
فهل سمعت بوعدٍ مثلِ ذا الوعد؟

مناسبة القصيدة

(الدكتور محمد حميد الله الهندي كان بحق رجلاً عظيماً! أما عن هذا الرجل فهو الرجل الذي رفض قبول جائزة الملك فيصل ١٩٩٤م قائلاً للمستر (عبدي آري سوهان): "أنا لم أكتب ما كتبت إلا من أجل الله عز وجل ، فلا تفسدوا عليّ ديني وعقيدتي". هذا الرجل هو الذي رفض الجنسية الفرنسية حين عُرضت عليه ، فأباها مكتفيًا ومفتخرًا بجنسيته الحيدر آبادية. هذا الرجل أسلم على يديه أكثر من ٤٠٠٠٠ شخص في فرنسا خلال نصف قرن عاش فيها ، كان يتقن ٢٢ لغة ، وآخر لغة تعلّمها هي التايلندية في سنّ ال٨٤ ، لم يتزوّج ؛ ولكنه تزوّج العلم فقط وأنجب منه ٤٥٠ كتابًا بلغاتٍ متعدّدةٍ ، كما أنه دبج أكثر من ٩٣٧ مقالًا في مختلف اللغات العالمية! كان يغسل الأواني بيده مع طلبته أثناء رحلتهم في فرنسا ، بالرغم من مكانته العلميّة الهائلة جدًا آنذاك ، عندما نال أرفع وسام من رئيس باكستان الراحل محمد ضياء الحق لأعماله المميزة في السيرة ، تبرع بقيمة الجائزة ، وهي مليون روبية لمعهد الدراسات الإسلامية في إسلام آباد قائلاً: لو قبلت الجائزة في هذه الدنيا الفانية ، فماذا سأنال هناك في الدار الباقية؟!)
© 2024 - موقع الشعر