هل مات العريس؟! - أحمد علي سليمان

عَريسُكم لم يَزرْه الموتُ يا عُبَطا
يا مَن غدا أمرُكم بين الورى فرُطا

الشهمُ أنكرَ ما تأتون مِن بدع
تُضَللون بها الدهماءَ والبُسَطا

في عُرسكم نفخ الشيطانُ أعبُدَهُ
والحقُ - بالباطل المستقبح - اعتبطا

ما وافقَ الدينَ مِن هذا السجال سِوى
عقدِ الزواج الذي بالشرع قد ضُبطا

وما عداه أباطيلٌ وهرطقة
وحالُ قوم بما هم فرّطوا اسْتوَطا

فللأغاني بعُرس الهزل دندنة
والجمعُ أمسى بها جَذلاً ومُغتبطا

والطبلُ والزمرُ في أشقى مُجاهرة
ناهيك عن حابل بالنابل اختلطا

ولا تُقر الذي تأتون بادية
وإنْ أقر الذي تأتونه اللقطا

فللقبيلة أخلاقٌ بها عُرفتْ
تُتابعُ (المُصطفى) ، والأمّة الوَسَطا

عَريسُكم بَدوي عَز مَحْتِدُهُ
لأنه بالكِرام الصفوة ارتبطا

واسألْ عن الصلوات الخمس مسجدَهُ
وما احتوى سَمتُه فحشاً ولا شَططا

وإذ أتى عُرسُه لم يُلفَ مُلتزماً
كأنما عقله جافاهُ ، واختبطا

يُخالفُ الشرعَ عن عَمدٍ بلا حرج
أين الضرورة فيما جاء منبسطا؟

وسْط الشباب له رقصٌ وهرجلة
لو كان محترماً في الهزل ما نشطا

لو كان يُدرك ما يأتيه مِن مِحن
تُزري بعِزته – والله – ما غلطا

وفي المساء أتتْ سيارة حملتْ
عريسكم وعروساً عقدها انفرطا

والكل ينظرُها في أوج زينتها
إذ غاب سَترٌ يقي ، وغاب قبل غطا

تمكيجَتْ ليراها الناس فاتنة
و(سشورتْ) شَعرَها ، حتى غدا سَبِطا

وناولتْ كل عين ما يُناسِبُها
مِن الجمال ، وهم أزجُوا لها اللغطا

في مشهدٍ سَيئ ما كان أحقرَه
إذ الرجالُ غدَوا – مع النسا - خُلطا

وللنساء أغاريدٌ مُرَجّعَة
إذ الصوابُ غدا في عُرْفهن خطا

ماذا دهاكن يا نسا قبيلتنا
إن الزغاريدَ كم تستجلبُ السخطا

يا ليتني ما أتيتُ اليوم محتملاً
مشقة السفر الطويل مُشترطا

لكنما الشرط ما طابَ القيامُ به
فقد تصَدّرَ بابَ الحفلة العُبَطا

أدليتُ دَلوي ، ولكن بئرُكم شطنتْ
وقلتُ قولي ، ولمّا يُعجب الرَهَطا

أفراحُكم هذه عليّ قد حَرُمتْ
إني لأخشى - على أعماليَ - الحبطا

للهم فاشهدْ بأني ما رضيتُ بما
أتاهُ قومي ، وما شَفعتُ للوُسَطا

مناسبة القصيدة

(دُعِيَ ذلك الموفقُ الغيورُ على دينه إلى حضور عُرس في البادية لم يقطع بجاهليته ولا بإسلامه ، بل تعشّمَ أن يكون خالياً من المعازف والاختلاط على أقل تقدير! إنْ لم يكن ذلك باسم الإسلام فباسم البادية! ولكن كانت المفاجأة السيئة المُسيئة عند قدوم المغرب ، حيث جاء العريس بعروسه في السيارة ممكيجة ، وجوهر الله تعالى بالأغاني والموسيقى والطبل والزمر والاختلاط المشين! فأنكر الزائرُ الموفقُ الغيورُ ، فاقترحَ والدُ العريس أن يُؤتى بقارئ القرآن ليقرأ ، الأمرُ الذي جعل الناسَ يتساءلون: هل مات العريس؟! إن للبادية سمتها وطبيعتها وعاداتها وتقاليدها! ولكن للأسف هيمنت عليها الجاهلية ، وشيوع الاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء ، والمجاهرة بالمعازف والأغاني والموسيقى ، والإتيان بالعروس بكامل زينتها ومكياجها وفستان عُرسها بجملة مخالفاته الشرعية ، كل هذه البلايا والرزايا لم تكن يوماً جزءاً من عُرس البادية! وللأسف جاهر القوم أصحاب عرس وعروسان وضيفان ربهم – تبارك وتعالى – بالمعاصي والموبقات! إلا هذا الضيف الزائر المسكين ، فلقد فوجيء بهذا البلاء ، فراحَ يُنكر وحده هذا السفول وذلك الانحطاط! ولكن كان الموج أكبرَ منه في خِضَم الجدل! فصاح في القوم قائلاً: أليس منكم رجلٌ رشيد؟! فقال أبو العريس الذي احترم كلام الرجل ووقر مقداره بين القوم: أنا ذلك الرجل الرشيد!فقال الموفق الضيف: إذن كُف عنا هذه المخالفات التي تُغضب الله تبارك وتعالى وتجعل من العرس عرساً شيطانياً! فقال: نأتي بقارئ يقرأ القرآن حتى نهاية السهرة! وجيئ بالقارئ واستهل بالقراءة الجميلة ، فإذا بالمعازيم الجاهليين ينصرفون إلا بقية باقية ظلت في صيوان العُرس! وليست هنا المفاجأة! بل المفاجأة كانت في السؤال الذي تردد على ألسنة أغلب القوم الذين وفدوا ولم يحضروا السجالَ من بدايته! إنه سؤال مضحكٌ مُبكٍ! (هل مات العريس؟!) فقال الحاضرون: لا! فقال السائلون: إذن لماذا يقرأ القرآن؟! وكأن القرآن أصبح رمزاً للمحن والمصائب والجنائز والموت ، وعلامة على البكاء والنحيب والتشاؤم! القرآن الذي جعله الله نوراً في ظلمات الحياة ، وحياة للناس! (والنور الذي أنزلنا) (إذا دعاكم لما يُحييكم) (لينذر من كان حياً)! بئس ما قال القوم وما صنعوا! فكانت القصيدة ترجمة للموقف وحاملة للعنوان: (هل مات العريس؟) ، ونسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية ، ونعوذ به من موت القلوب والضمائر والعزائم والهمم!)
© 2024 - موقع الشعر