ناموسة

لـ كوكب دياب، ، في الهجاء، 6

ناموسة - كوكب دياب

ناموسةٌ قامت بجلديَ ترتعُ
ولها على قلبي عيونٌ أربعُ

طنّتْ وطارتْ في الفضاءِ وحلّقتْ
نحوَ النجومِ، وبيتُها المستنقعُ

تبغي الوصولَ إلى فؤادي خُلسةً
واللهُ يُخفي السرَّ فيه ويمنعُ

خَسِئتْ! فلا الجلدُ استطاعتْ خرقَهُ
يومًا، ولا غَدَرَتْ بقلبيْ الأضلعُ

عفوًا إلهيْ، شِئْتَها بشرًا ولكنْ
أَشبَهَ الناموسَ منها المَلسعُ

ولها من الحرباءِ أفضلُ صورةٍ
ومن الأسامي كلَّ يومٍ بُرْقُعُ

ومن الثعالبِ مكرُها وخِداعُها
ومن المساوئ كلَّ حينٍ مقطعُ

أفّاكةٌ فتّانةٌ كذّابةٌ
تبني قصورًا في الهوا وتُزَعْزِعُ

أدْنَاْ من الدنيا الدنيئةِ، فعلُها
فعْلُ اليرابيعِ التي تتقنّعُ

وقدِ ادّعتْ أنّ النفاقَ لغَيرِها
بل مَصدرٌ هيَ في النفاقِ ومَرْجِعُ

باعتْ بِسوقِ المفترينَ ضميرَها
وَشَرَتْ بهِ ما لا يضرُّ وينفعُ

معبودُها الدّولارُ وهْو إلهُها
وإليهِ في كلِّ ابْتِهالٍ تَضْرَعُ

لفّت ودارت في المَدار وما درَت
أنّا لغيرِ اللهِ لسْنا نركعُ

***
ظنّت بخيرِ الناس سوءًا وهْي مِن

شرِّ الأنامِ على الأنامِ وأوضَعُ
فخُطى الأنامِ خطيئةٌ في دينِها

ظنّتْ خطاهمْ خَطْوَها تَتَبَّعُ
والنفسُ إن باتَتْ أسيرةَ ظنِّها

خضعَتْ لِما قالَ الوشاةُ وشنّعوا
قالتْ كما قالوا وزادتْ وافترَتْ

وتوَدُّ لو تُطْفي الحقائقَ أدْمُعُ
وتظنّ طِحْنًا ما تقولُ وتفتري

مثلَ الرَّحى فوقَ الثِّفالِ تُجعجعُ
كَم حاولتْ في أن يُصَدَّقَ قولُها!

والحقُّ ما نلقاه لا ما نسمعُ
شهدتْ لها زُمَرُ النّفاقِ كأنّها

تحكي بأفواهٍ لَها وتُرَجِّعُ
قَسَمُ اليمينِ سلاحُها، إنْ كُذِّبَتْ،

وسهامُ غدْرٍ في الخفاءِ تُوَزَّعُ
ليْستْ لها إلا الظُّنونَ أدلّةٌ

أشباهُ بيت العنكبوتِ وأضْيَعُ
كمْ مرّةٍ ظَنّتْ وأخْفَقَ ظَنُّها

وبغيرِ أوهامٍ لها لا تَقْنَعُ!
وَكمِ ادّعتْ في كأسِها لي مطمعًا

خَسِئتْ، فما ليْ في القذارةِ مطمعُ!
فَالأسْدُ تَأبَى الشربَ مِن كأسٍ متى

وَلَغَتْ بها يومًا كلابٌ رُضّعُ
ولْتَخرَسَنْ، فالكوكبُ الدّرّيُّ لنْ

يَخفَى، ونورُ الحقّ دومًا يسطعُ
فمتى استطاعتْ أن تُطاوِلَ كَعْبَنا

حتّى يغطّيْ الشمسَ منها الأصبعُ؟
فالشمسُ، إن نبحَ الكلابُ بظلّها،

ستظلُّ في عَليائها تتشعشعُ
والروضُ، إن فاحت طيوبُ عبيرِه،

ما ضرَّه لوْ طنَّ فيه الخَوْتَعُ؟
وإذا رَمَتْني في المقالِ دنيئةٌ

فهي الشهادةُ لي بأنّي أرفعُ
لا يَأبَهُ الأعلى لأدْنى منْهُ ما

دامتْ لهُ الجوزاءُ نِعْمَ الموْقِعُ!
واللهِ لو كان الأنامُ مَلائكًا

لم يسلموا من قولِ مَن لا يَخشعُ
***

ويجيءُ مَنْ يعفو لها.. ويقولُ لي:
«مَهْلاً، لعَلَّ لها اعتذارًا يَشْفَعُ...»

فلتعتذرْ لِلّهِ إنْ تابتْ إليه
فليس عنديَ لاعتذارٍ مَوضِعُ

هل يَرْأبُ الصَّدْعَ اعتذارُ لسانِها
ولسانُها عنْ ذَنْبِهِ لا يُقلِعُ؟!

ليستْ بأهلٍ لاعتذارٍ صادقٍ
كلُّ امرئٍ بطباعِه متطبِّعُ

من كان دَيدَنُها النميمةَ والأذى
لا شيءَ يَرْدعُها ولا هيَ تُرْدَعُ

حسبي بِبُعْديَ عن لقاها راحةً
من بَعدِ ذا فلْتَصْنَعَنْ ما تصْنَعُ

واللهِ ما بانَ الضُّحى لو لم تكنْ
نضَحَتْ بما أضْحتْ تقولُ وتَسمعُ

فالحقُّ من قلبِ البواطلِ ظاهرٌ
كالنجمِ من سودِ الليالي يطلُعُ

***
ما هَمَّنا ما تَفْتري ناموسةٌ

ما دامَ حُسْنُ الخُلْقِ مِنّا يَنبَعُ
ولنا الطهارةُ والكرامةُ والعُلى

ولها القذارةُ والحقارةُ تَتْبَعُ
ولنا المحبّةُ والتسامحُ منهجٌ

سبحانَ من يُعطي الخِلالَ ويمنعُ!
والرأيُ حرٌّ عندنا بل ثاقبٌ

والرأيُ منها إمّرٌ بل إمّعُ
والعقل رَغم السِّنِّ منها قاصرٌ

والقلبُ رَغم المَنِّ قَفْرٌ بَلْقَعُ
وَالحُبُّ والإخلاصُ منّا شيمةٌ

والبغضُ منها طبعُها المتطبَّعُ
ضاقتْ لها عينٌ وعينٌ حمْلقَتْ

وصدورُنا من كلِّ وُسْعٍ أوسعُ
كمْ مرّةٍ شَقَّ الشّقاءُ فؤادَها

حسدًا إلى أنْ قُضَّ منها المضجَعُ!
وَرَمَتْ جهابذةَ البيانِ بدائها

لمّا رأتْ أنّ اليَراعَ يُرَوِّعُ!
يا ليتَ شعري، كيفَ ينهَجُ نهجَها

مَنْ نَهْجُهُ نَهْجُ البلاغةِ أجمَعُ!؟
لا شِعْرَ قدْ فهمتْ ولا نثْرًا وعَتْ

حتّى تحيَّرَ فَهْمُها والمَسْمَعُ
مِنْ جهلِها.. كادتْ تَموتُ بغيظها

ويَكادُ في فمِها اللّسانُ يُقَطَّعُ!!
ما ذنْبُنا في جهلِها؟ فسلاحُنا

شِعرٌ بأصنافِ العلومِ مُرَصّعُ
وحُروفُنا تاجٌ على عَرْش البيانِ،

قديمِهِ وحديثهِ، يَتربّعُ
إن أعجِبَتْ أو لمْ تَجِدْ من مُعْجِبٍ

فَلِبيتِها سَقْفٌ وجُدْرٌ أرْبعُ
***

ولَطالَما أبديتُ نُصحي عَلَّها
بعدَ النّصيحةِ ترعوي أوْ تُزْمِعُ

أسفي على زَرعِ الجميلِ بموضعٍ
مُتصحّرٍ نجماتُه لا تطلُعُ!

مَنْ قَدْ حباهُ اللهُ قَلْبًا طَيّبًا
أفَيَعْتَريهِ في الطِّباعِ تَصَنُّعُ؟!

شرَعَ الإلهُ لنا المَحبَّةَ شِرعةً
تَعْسًا لِمنْ لمْ يَلتزِمْ ما يَشرَعُ!

تعْسًا لها، ناموسةً، لا ترعوي
عن غَيِّها أبدًا، ولا تَتَوَرّعُ

رجَعَ الحمارِ عن الجدارِ برأسِهِ
وأظنّها عنْ فعلِها لا ترجِعُ

فَتَرَكتُها وكلابَها في مَأمنٍ
تعوي لهم حينًا وحينًا تسْمَعُ

ما الْهمُّ إن نَبَحَتْ كلابُ حواسدي
تمشي القوافلُ والكلابُ تُوَعْوِعُ

لن ترتقيْ بِنباحِها نجمَ السّماءِ
ولن يهزَّ الطَّودَ أنفٌ أجدعُ

سأظلُّ أعْكسُ في البحارِ ملامِحي
وتخالُني في الماءِ صَيْدًا يَلْمَعُ!

فإذا رَأتْ في البَحْرِ بعضَ تَوَهُّجي
هُرِعتْ إلى ما لم تَكنْ تَتَوقَّعُ

ومَضَتْ إليَّ بقضِّها وقضيضِها
ومنَ المَطامِعِ ما يَغُرُّ ويَخْدَعُ

وقضَتْ على أنفاسِها في قفْزةٍ
أوشكتُ مِنْ آلامِها أتوَجَّعُ

ما الذنبُ ذنبي، إنّه ذنْبُ الذي
حَسدًا إلى ما فوقَهُ يتطلّعُ

وَتراه ينْهشُ حَضْرتي في غَيبتي
وإذا حضرْتُ، فتَحْتَ نَعْليَ يَقْبَعُ

ما كانَ ذاكَ تعاليًا لكنَّ مَنْ
طَلَبوا التّعاليَ في النّقائِصِ أُوقِعُوا

فحَجبْتُ نَجْمِيَ بعدَما ألْفَيْتُها
مِنْ مَرِّ طيفيَ فَوقَها، تَتَقطّعُ

ومنَعْتُها مِن رُؤيَتي فلعلّها،
بَعْدَ التَّقَطُّعِ، لحظةً تَتَجَمَّعُ

لا ذنبَ لي، مِن بعد ذلك، إن رأتْنيَ
في الرُّؤَى، فلأيِّ بحرٍ تُهْرَعُ؟!

فإذا تَوارتْ صورتي عن وجْهِها
أبدتْ لها وَجْهيْ الجهاتُ الأربَعُ

كم كان جرّبَ مِثلُها ما جرّبتْ
فجَنتْ يداه بحسرةٍ ما يزرَعُ!

ما همَّني الآلافُ من أمثالِها
ما دامتِ الآلافُ منّي تَفزَعُ!

«كَثُرَ الحواسدُ فاسْتَزدْتُ جَلالَةً
وعلمْتُ أنّي مَنْ يَضُرُّ ويَنْفعُ»

***

مناسبة القصيدة

15- 6- 2011
© 2024 - موقع الشعر