اسكني ياجراح - أبو القاسم الشابي

اسْكُني يا جِراحْ
واسْكُتي يا شُجُونْ

ماتَ عَهْدُ النُّواحْ
وزَمَانُ الجُنُونْ

وأَطَلَّ الصَّبَاحْ
مِنْ وراءِ القُرُونْ

في فِجاجِ الرَّدى
قَدْ دفنتُ الأَلمْ

ونثرتُ الدُّموعْ
لرِيَاحِ العَدَمْ

واتَّخذتُ الحَيَاةْ
معزفاً للنَّغَمْ

أَتغنَّى عليهْ
في رِحابِ الزَّمانْ

وأَذبتُ الأَسَى
في جمالِ الوُجُودْ

ودَحَوْتُ الفؤادْ
واحةً للنَّشيدْ

والضِّيا والظِّلالْ
والشَّذَى والورودْ

والهوى والشَّبابْ
والمنى والحَنانْ

اسكُني يا جراحْ
واسكُتي يا شُجونْ

ماتَ عَهْدُ النُّواحْ
وزَمَانُ الجُنُونْ

وأَطَلَّ الصَّبَاحْ
مِنْ وراءِ القُرُونْ

في فؤادي الرَّحيبْ
مَعْبَدٌ للجَمَالْ

شيَّدتْهُ الحَيَاةْ
بالرُّؤى والخَيالْ

فَتَلَوْتُ الصَّلاةْ
في خشوعِ الظِّلالْ

وحَرَقْتُ البُخُورْ
وأَضَأْتُ الشُّمُوعْ

إنَّ سِحْرَ الحَيَاةْ
خَالدٌ لا يزولْ

فَعَلامَ الشَّكَاةْ
مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ

ثمَّ يأتي الصَّباحْ
وتَمُرُّ الفُصُولْ

سوف يأتي رَبيعْ
إن تقضَّى رَبيعْ

اسكُني يا جراحْ
واسكُتي يا شُجونْ

ماتَ عَهْدُ النُّواحْ
وزَمَانُ الجُنُونْ

وأَطَلَّ الصَّبَاحْ
مِنْ وراءِ القُرُونْ

مِنْ وراءِ الظَّلامْ
وهديرِ المياهْ

قَدْ دعاني الصَّباحْ
ورَبيعُ الحَيَاهْ

يا لهُ مِنْ دُعاءْ
هزَّ قلبي صَداهْ

لمْ يَعُدْ لي بقاءْ
فَوْقَ هذي البقاعْ

الْوَداعَ الوَداعْ
يا جِبَالَ الهُمومْ

يا ضَبابَ الأَسى
يا فِجاجَ الجحيمْ

قَدْ جرى زَوْرَقي
في الخِضَّمِ العَظيمْ

ونشرتُ القلاعْ
فالوَداعْ الوداعْ

© 2024 - موقع الشعر