بِأَبي الشُموسُ الجانِحاتُ غَوارِبا - أبو الطيب المتنبي

بِأَبي الشُموسُ الجانِحاتُ غَوارِبا "
" اللابِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبا

المَنهِباتُ قُلوبَنا وَعُقولَنا "
" وَجَناتِهِنَّ الناهِباتِ الناهِبا

الناعِماتُ القاتِلاتُ المُحيِيا "
" تُ المُبدِياتُ مِنَ الدَلالِ غَرائِبا

حاوَلنَ تَفدِيَتي وَخِفنَ مُراقِبًا "
" فَوَضَعنَ أَيدِيَهُنَّ فَوقَ تَرائِبا

وَبَسَمنَ عَن بَرَدٍ خَشيتُ أُذيبَهُ "
" مِن حَرِّ أَنفاسي فَكُنتُ الذائِبا

يا حَبَّذا المُتَحَمَّلونَ وَحَبَّذا "
" وادٍ لَثَمتُ بِهِ الغَزالَةَ كاعِبا

كَيفَ الرَجاءُ مِنَ الخُطوبِ تَخَلُّصًا "
" مِن بَعدِ ما أَنشَبنَ فِيَّ مَخالِبا

أَوحَدنَني وَوَجَدنَ حُزنًا واحِدًا "
" مُتَناهِيًا فَجَعَلنَهُ لي صاحِبا

وَنَصَبنَني غَرَضَ الرُماةِ تُصيبُني "
" مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُيوفِ مَضارِبا

أَظمَتنِيَ الدُنيا فَلَمّا جِئتُها "
" مُستَسقِيًا مَطَرَتْ عَلَيَّ مَصائِبا

وَحُبِيتُ مِن خوصِ الرِكابِ بِأَسوَدٍ "
" مِن دارِشٍ فَغَدَوتُ أَمشي راكِبا

حالاً مَتى عَلِمَ ابنُ مَنصورٍ بِها "
" جاءَ الزَمانُ إِلَيَّ مِنها تائِبا

مَلِكٌ سِنانُ قَناتِهِ وَبَنانُهُ "
" يَتَبارَيانِ دَمًا وَعُرفًا ساكِبا

يَستَصغِرُ الخَطَرَ الكَبيرَ لِوَفدِهِ "
" وَيَظُنُّ دِجلَةَ لَيسَ تَكفي شارِبا

كَرَمًا فَلَو حَدَّثتَهُ عَن نَفسِهِ "
" بِعَظيمِ ما صَنَعَت لَظَنَّكَ كاذِبا

سَل عَن شَجاعَتِهِ وَزُرهُ مُسالِمًا "
" وَحَذارِ ثُمَّ حَذارِ مِنهُ مُحارِبا

فَالمَوتُ تُعرَفُ بِالصِفاتِ طِباعُهُ "
" لَم تَلقَ خَلقًا ذاقَ مَوتًا آيِبا

إِن تَلقَهُ لا تَلقَ إِلّا قَسطَلًا "
" أَو جَحفَلًا أَو طاعِنًا أَو ضارِبا

أَو هارِبًا أَو طالِبًا أَو راغِبًا "
" أَو راهِبًا أَو هالِكًا أَو نادِبا

وَإِذا نَظَرتَ إِلى الجِبالِ رَأَيتَها "
" فَوقَ السُهولِ عَواسِلًا وَقَواضِبا

وَإِذا نَظَرتَ إِلى السُهولِ رَأَيتَها "
" تَحتَ الجِبالِ فَوارِسًا وَجَنائِبا

وَعَجاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوادَها "
" زَنجًا تَبَسَّمُ أَو قَذالًا شائِبا

فَكَأَنَّما كُسِيَ النَهارُ بِها دُجى "
" لَيلٍ وَأَطلَعَتِ الرِماحُ كَواكِبا

قَد عَسكَرَت مَعَها الرَزايا عَسكَرًا "
" وَتَكَتَّبَت فيها الرِجالُ كَتائِبا

أُسُدٌ فَرائِسُها الأُسودُ يَقودُها "
" أَسَدٌ تَصيرُ لَهُ الأُسودُ ثَعالِبا

في رُتبَةٍ حَجَبَ الوَرى عَن نَيلِها "
" وَعَلا فَسَمَّوهُ عَلِيَّ الحاجِبا

وَدَعَوهُ مِن فَرطِ السَخاءِ مُبَذِّرًا "
" وَدَعَوهُ مِن غَصبِ النُفوسِ الغاصِبا

هَذا الَّذي أَفنى النُضارَ مَواهِبًا "
" وَعِداهُ قَتلًا وَالزَمانَ تَجارِبا

وَمُخَيِّبُ العُذّالِ فيما أَمَّلوا "
" مِنهُ وَلَيسَ يَرُدُّ كَفًّا خائِبا

هَذا الَّذي أَبصَرتَ مِنهُ حاضِرًا "
" مِثلُ الَّذي أَبصَرتُ مِنهُ غائِبا

كَالبَدرِ مِن حَيثُ التَفَتَّ رَأَيتَهُ "
" يُهدي إِلى عَينَيكَ نورًا ثاقِبا

كَالبَحرِ يَقذِفُ لِلقَريبِ جَواهِرًا "
" جودًا وَيَبعَثُ لِلبَعيدِ سَحائِبا

كَالشَمسِ في كَبِدِ السَماءِ وَضَوؤُها "
" يَغشى البِلادَ مَشارِقًا وَمَغارِبا

أَمُهَجِّنَ الكُرَماءِ وَالمُزري بِهِمْ "
" وَتَروكَ كُلِّ كَريمِ قَومٍ عاتِبا

شادوا مَناقِبَهُمْ وَشِدتَ مَناقِبًا "
" وُجِدَت مَناقِبُهُمْ بِهِنَّ مَثالِبا

لَبَّيكَ غَيظَ الحاسِدينَ الراتِبا "
" إِنّا لَنَخبُرُ مِن يَدَيكَ عَجائِبا

تَدبيرُ ذي حُنَكٍ يُفَكِّرُ في غَدٍ "
" وَهُجومُ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبا

وَعَطاءُ مالٍ لَو عَداهُ طالِبٌ "
" أَنفَقتَهُ في أَن تُلاقِيَ طالِبا

خُذ مِن ثَنايَ عَلَيكَ ما أَسطيعُهُ "
" لا تُلزِمَنّي في الثَناءِ الواجِبا

فَلَقَد دَهِشتُ لِما فَعَلتَ وَدونَهُ "
" ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكاتِبا

© 2024 - موقع الشعر