أَهلًا بِدارٍ سَباكَ أَغيَدُها - أبو الطيب المتنبي

أَهلًا بِدارٍ سَباكَ أَغيَدُها "
" أَبعَدُ ما بانَ عَنكَ خُرَّدُها

ظَلتَ بِها تَنطَوي عَلى كَبِدٍ "
" نَضيجَةٍ فَوقَ خِلبِها يَدُها

يا حادِيَي عيرِها وَأَحسَبُني "
" أَوجَدُ مَيتًا قُبَيلَ أَفقِدُها

قِفا قَليلًا بِها عَلَيَّ فَلا "
" أَقَلَّ مِن نَظرَةٍ أُزَوَّدُها

فَفي فُؤادِ المُحِبِّ نارُ جَوًى "
" أَحَرُّ نارِ الجَحيمِ أَبرَدُها

شابَ مِنَ الهَجرِ فَرقُ لِمَّتِهِ "
" فَصارَ مِثلَ الدِمَقسِ أَسوَدُها

بانوا بِخُرعوبَةٍ لَها كَفَلٌ "
" يَكادُ عِندَ القِيامِ يُقعِدُها

رِبَحلَةٍ أَسمَرٍ مُقَبَّلُها "
" سِبَحلَةٍ أَبيَضٍ مُجَرَّدُها

يا عاذِلَ العاشِقينَ دَع فِئَةً "
" أَضَلَّها اللهُ كَيفُ تُرشِدُها

لَيسَ يُحيكُ المَلامُ في هِمَمٍ "
" أَقرَبُها مِنكَ عَنكَ أَبعَدُها

بِئسَ اللَيالي سَهِرتُ مِن طَرَبي "
" شَوقًا إِلى مَن يَبيتُ يَرقُدُها

أَحيَيتُها وَالدُموعُ تُنجِدُني "
" شُؤونَها وَالظَلامُ يُنجِدُها

لا ناقَتي تَقبَلُ الرَديفَ وَلا "
" بِالسَوطِ يَومَ الرِهانِ أُجهِدُها

شِراكُها كورُها وَمِشفَرُها "
" زِمامُها وَالشُسوعُ مِقوَدُها

أَشَدُّ عَصفِ الرِياحِ يَسبِقُهُ "
" تَحتِيَ مِن خَطوِها تَأَيُّدُها

في مِثلَ ظَهرِ المِجَنِّ مُتَّصِلٍ "
" بِمِثلِ بَطنِ المِجَنِّ قَردَدُها

مُرتَمِياتٌ بِنا إِلى ابنِ عُبَي "
" دِ اللهِ غيطانُها وَفَدفَدُها

إِلى فَتىً يُصدِرُ الرِماحَ وَقَد "
" أَنهَلَها في القُلوبِ مَورِدُها

لَهُ أَيادٍ إِلَيَّ سابِقَةٌ "
" أُعَدُّ مِنها وَلا أُعَدِّدُها

يُعطي فَلا مَطلُهُ يُكَدِّرُها "
" بِها وَلا مَنَّةً يُنَكِّدُها

خَيرُ قُرَيشٍ أَبًا وَأَمجَدُها "
" أَكثَرُها نائِلًا وَأَجوَدُها

أَطعَنُها بِالقَناةِ أَضرَبُها "
" بِالسَيفِ جَحجاحُها مُسَوَّدُها

أَفرَسُها فارِسًا وَأَطوَلُها "
" باعًا وَمِغوارُها وَسَيِّدُها

تاجُ لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ وَبِهِ "
" سَما لَها فَرعُها وَمَحتِدُها

شَمسُ ضُحاها هِلالُ لَيلَتِها "
" دُرُّ تَقاصيرِها زَبَرجَدُها

يا لَيتَ بي ضَربَةً أُتيحَ لَها "
" كَما أُتيحَت لَهُ مُحَمَّدُها

أَثَّرَ فيها وَفي الحَديدِ وَما "
" أَثَّرَ في وَجهِهِ مُهَنَّدُها

فَاغتَبَطَت إِذ رَأَت تَزَيُّنَها "
" بِمِثلِهِ وَالجِراحُ تَحسُدُها

وَأَيقَنَ الناسُ أَنَّ زارِعَها "
" بِالمَكرِ في قَلبِهِ سَيَحصِدُها

أَصبَحَ حُسّادُهُ وَأَنفُسُهُمْ "
" يُحدِرُها خَوفُهُ وَيُصعِدُها

تَبكي عَلى الأَنصُلِ الغُمودِ إِذا "
" أَنذَرَها أَنَّهُ يُجَرِّدُها

لِعِلمِها أَنَّها تَصيرُ دَمًا "
" وَأَنَّهُ في الرِقابِ يُغمِدُها

أَطلَقَها فَالعَدُوُّ مِن جَزَعٍ "
" يَذُمُّها وَالصَديقُ يَحمَدُها

تَنقَدِحُ النارُ مِن مَضارِبِها "
" وَصَبُّ ماءِ الرِقابِ يُخمِدُها

إِذا أَضَلَّ الهُمامُ مُهجَتَهُ "
" يَومًا فَأَطرافُهُنَّ تَنشُدُها

قَد أَجمَعَت هَذِهِ الخَليقَةُ لي "
" أَنَّكَ يا ابنَ النَبِيِّ أَوحَدُها

وَأَنكَ بِالأَمسِ كُنتَ مُحتَلِمًا "
" شَيخَ مَعَدٍّ وَأَنتَ أَمرَدُها

فَكَم وَكَم نِعمَةٍ مُجَلِّلَةٍ "
" رَبَّيتَها كانَ مِنكَ مَولِدُها

وَكَم وَكَم حاجَةٍ سَمَحتَ بِها "
" أَقرَبُ مِنّي إِلَيَّ مَوعِدُها

وَمَكرُماتٍ مَشَت عَلى قَدَمِ البرْ "
" رِ إِلى مَنزِلي تُرَدِّدُها

أَقَرَّ جِلدي بِها عَلَيَّ فَلا "
" أَقدِرُ حَتّى المَماتِ أَجحَدُها

فَعُد بِها لا عَدِمتُها أَبَدًا "
" خَيرُ صِلاتِ الكَريمِ أَعوَدُها

© 2024 - موقع الشعر