أَرَكائِبَ الأَحبابِ إِنَّ الأَدمُعا - أبو الطيب المتنبي

أَرَكائِبَ الأَحبابِ إِنَّ الأَدمُعا "
" تَطِسُ الخُدُودَ كَما تَطِسنَ اليَرمَعا

فَاعرِفنَ مَن حَمَلَت عَلَيكُنَّ النَوى "
" وَامْشِينَ هَونًا في الأَزِمَّةِ خُضَّعا

قَد كانَ يَمنَعُني الحَياءُ مِنَ البُكا "
" فَاليَومَ يَمنَعُهُ البُكا أَن يَمنَعا

حَتّى كَأَنَّ لِكُلِّ عَظمٍ رَنَّةً "
" في جِلدِهِ وَلِكُلِّ عِرقٍ مَدمَعا

وَكَفى بِمَن فَضَحَ الجَدايَةَ فاضِحًا "
" لِمُحِبِّهِ وَبِمَصرَعي ذا مَصرَعا

سَفَرَت وَبَرقَعَها الفِراقُ بِصُفرَةٍ "
" سَتَرَت مَحاجِرَها وَلَم تَكُ بُرقُعا

فَكَأَنَّها وَالدَمعُ يَقطُرُ فَوقَها "
" ذَهَبٌ بِسِمْطَي لُؤلُؤٍ قَد رُصِّعا

كَشَفَت ثَلاثَ ذَوائِبٍ مِن شَعرِها "
" في لَيلَةٍ فَأَرَت لَيالِيَ أَربَعا

وَاستَقبَلَت قَمَرَ السَماءِ بِوَجهِها "
" فَأَرَتنِيَ القَمَرَينِ في وَقتٍ مَعا

رُدّي الوِصالَ سَقى طُلولَكِ عارِضٌ "
" لَو كانَ وَصلُكِ مِثلَهُ ما أَقشَعا

زَجَلٌ يُريكِ الجَوَّ نارًا وَالمَلا "
" كَالبَحرِ وَالتَلَعاتِ رَوضًا مُمرِعا

كَبَنانِ عَبدِ الواحِدِ الغَدَقِ الَّذي "
" أَروى وَآمَنَ مَن يَشاءُ وَأَفزَعا

أَلِفَ المُروءَةَ مُذ نَشا فَكَأَنَّهُ "
" سُقِيَ اللِبانَ بِها صَبِيًّا مُرضَعا

نُظِمَت مَواهِبُهُ عَلَيهِ تَمائِما "
" فَاعتادَها فَإِذا سَقَطنَ تَفَزَّعا

تَرَكَ الصَنائِعَ كَالقَواطِعِ بارِقا "
" تٍ وَالمَعالِيَ كَالعَوالِيَ شُرَّعا

مُتَبَسِّمًا لِعُفاتِهِ عَن واضِحٍ "
" تَغشى لَوامِعُهُ البُروقَ اللُمَّعا

مُتَكَشِّفًا لِعُداتِهِ عَن سَطوَةٍ "
" لَو حَكَّ مَنكِبُها السَماءَ لَزَعزَعا

الحازِمَ اليَقِظَ الأَغَرَّ العالِمَ ال "
" فَطِنَ الأَلَدَّ الأَريَحِيَّ الأَروَعا

الكاتِبَ اللَبِقَ الخَطيبَ الواهِبَ ال "
" نَدُسَ اللَبيبَ الهِبرِزِيَّ المِصقَعا

نَفسٌ لَها خُلُقُ الزَمانِ لِأَنَّهُ "
" مُفني النُفوسِ مُفَرِّقٌ ما جَمَّعا

وَيَدٌ لَها كَرَمُ الغَمامِ لِأَنَّهُ "
" يَسقي العِمارَةَ وَالمَكانَ البَلقَعا

أَبَدًا يُصَدِّعُ شَعبَ وَفرٍ وافِرِ "
" وَيَلُمُّ شَعبَ مَكارِمٍ مُتَصَدِّعا

يَهتَزُّ لِلجَدوى اهتِزازَ مُهَنَّدٍ "
" يَومَ الرَجاءِ هَزَزتَهُ يَومَ الوَعى

يا مُغنِيًا أَمَلَ الفَقيرِ لِقاؤهُ "
" وَدُعاؤهُ بَعدَ الصَلاةِ إِذا دَعا

أَقصِر وَلَستَ بِمُقسِرٍ جُزتَ المَدى "
" وَبَلَغتَ حَيثُ النَجمُ تَحتَكَ فَاربَعا

وَحَلَلتَ مِن شَرَفِ الفَعالِ مَواضِعًا "
" لَم يَحلُلِ الثَقَلانِ مِنها مَوضِعا

وَحَوَيتَ فَضلَهُما وَما طَمِعَ امرُؤٌ "
" فيهِ وَلا طَمِعَ امرُؤٌ أَن يَطمَعا

نَفَذَ القَضاءُ بِما أَرَدتَ كَأَنَّهُ "
" لَكَ كُلَّما أَزمَعتَ شَيئًا أَزمَعا

وَأَطاعَكَ الدَهرُ العَصِيُّ كَأَنَّهُ "
" عَبدٌ إِذا نادَيتَ لَبّى مُسرِعا

أَكَلَت مَفاخِرُكَ المَفاخِرَ وَانثَنَت "
" عَن شَأوِهِنَّ مَطِيُّ وَصفي ظُلَّعا

وَجَرَينَ مَجرى الشَمسِ في أَفلاكِها "
" فَقَطَعنَ مَغرِبَها وَجُزنَ المَطلَعا

لَو نيطَتِ الدُنيا بِأُخرى مِثلِها "
" لَعَمَمنَها وَخَشينَ أَلا تَقنَعا

فَمَتى يُكَذَّبُ مُدَّعٍ لَكَ فَوقَ ذا "
" وَاللهُ يَشهَدُ أَنَّ حَقًّا ما ادَّعى

وَمَتى يُؤَدّي شَرحَ حالِكَ ناطِقٌ "
" حَفِظَ القَليلَ النَزرَ مِمّا ضَيَّعا

إِن كانَ لا يُدعى الفَتى إِلّا كَذا "
" رَجُلًا فَسَمِّ الناسَ طُرًّا إِصبَعا

إِن كانَ لا يَسعى لِجودٍ ماجِدٌ "
" إِلّا كَذا فَالغَيثُ أَبخَلُ مَن سَعى

قَد خَلَّفَ العَبّاسُ غُرَّتَكَ ابنَهُ "
" مَرأىً لَنا وَإِلى القِيامَةِ مَسمَعا

© 2024 - موقع الشعر