موت مؤقت

لـ كريم معتوق، ، بواسطة غادة العلوي، في غير مُحدد

موت مؤقت - كريم معتوق

مُتْ قبلَ موتكَ مرة ً
 
كي لا يسومَكَ في تيقُّظِكَ الخرابُ
 
لن تحزنَ امرأةٌ عليكَ
 
أغيرَ أمِّكَ ترتجي حزناً ؟!
 
أتبلغُ حزنَها امرأةٌ وينصفكَ العذاب ُ ؟!
 
مُتْ قبلَ موتكَ مرتينِ
 
فبائعُ الصحفِ الكئيبةِ
 
لن يفتشَ عن صباحِكَ في الزحامِ
 
إذا توسَّدكَ الغياب ُ
 
مُتْ قبلَ موتِكَ ساعةً
 
واعرفْ عدوَّكَ من صديقِكَ ربّما
 
غيّرتَ خارطةَ الصداقةِ والعداوةِ
 
وانتبهْتَ لما تقوَّلهُ الصحابُُ
 
***
 
مُتْ قبل موتكَ مرةً
 
كي تسمعَ الموتى وهم يتهامسونْ
 
قد يلعنونَ الصبحَ ظنَّاً أنَّه ليلٌ
 
وقد لا يلعنونْ
 
قد يطلبون ملابساً للعيدِ
 
حدّثهمْ وقُلْْ: لا عيدَ للموتى
 
سيجرَحُهم حديثُكَ فاسْتعرْ
 
لغةَ الطفولةِ ربما يتقبَّلونْ
 
وإذا التقيتَ مقاتلاً نشوانَ كان ( بغزةٍ )
 
يوماً يقاتلُ بعضهُ
 
دمهُ يريقُ دماءَ إخوتِهِ
 
- وهم أبداً غباراً واحداً يتنفسونْ -
 
فاسألْهُ في خبثٍ ولا تعجلْ عليهِ فربّما
 
مازالَ يَحسَبُ أنّه قد مَدَّ جسراً
 
من دمِ القتلى إلى الأقصى وظنّكَ جئتَهُ
 
مثلَ الذين يباركونْ
 
وإذا لمحتَ مفكراً أو كاتباً أو شاعراً
 
يمشي مع الموتى فقلْ :
 
بالغتَ في حبِّ القصيدةِ والنساءِ وفي البلادِ
 
فهلْ تراهمْ يذكرونْ ؟
 
أم أن موتَكَ عابرٌ
 
مُتْ قبلَ موتِكَ كي ترى
 
ما لا يراهُ العابرونْ
 
***
 
مُتْ قبل موتِك يا أنا
 
كيما ترى وطناً تَبدَّلَ حينَ تمتشقُ الكفنْ
 
كيما تراكَ
 
أناكَ تكبرُ باستدارتِها
 
وتصغرُ حين تنتبهُ الفتنْ
 
فادخل قواميسَ النحاةِ
 
دعتكَ أزمنةُ الحداةِ الشمِّ
 
قافيةُ المِحنْ
 
لو مرةً وقفتْ على الأطلالِ راحلَتي
 
سأقتنصُ القصيدةَ من مجرّتِها وأهمسُ للعلنْ
 
وأقولُ : يا وطني أتذكرُ من مضى ؟
 
أتراك تذكر دمعة الشعراءِ من كانوا قرابيناً ؟
 
تُرى كانوا قرابيناً لمنْ ؟
 
وهمسْتُ ثانيةً لجرحِ قصيدتي :
 
من ينصفُ الموتى ومنْ
 
يستبدلُ الأدوارَ
 
يَصْهلُ في شعابِ الأرضِ ، يبتكرُ الرسنْ
 
يشدو بأجملِ وحدةٍ في الشرقِ ..
 
أغنيةِ الإمارات التي غزلتْ من الدنيا عجائبَ للزمنْ
 
من ينصف الموتى ؟ ومنْ
 
يروي حكايةَ فارسٍ عنَّها ترجَّلَ
 
لم يزلْ بالروحِ يسكننا وغادرَ بالبدنْ
 
منْ خطَّ درباً للسلامِ وصارَ مئذنةً تشيرُ الى غدٍ أحلى
 
غدٍ ما جاعَ غيمٌ فيه أو طفلٌ تخضَّبَ بالوهنْ
 
فكأن بي نصفَ اعترافٍ ، نصفَ ما تَهَبُ الحقيقةُ
 
حين ينتظرُ الفجائعَ مؤتمنْ
 
أنا يتمُ قافيةِ العروبةِ
 
ليس لي شأنٌ مع الأطلالِ
 
كي أبكي على ( سقط اللّوى )
 
لكنني أحني الجبينَ لكلِّ من سقطوا
 
لكي يقفَ الوطنْ
 
***
 
مُتْ يا فمي زمناً فلنْ يغريكَ
 
من ذهبِ الشمالِ بريقُ ما يقصيكَ
 
عن وجعِ الجنوبْ
 
كنْ هادئَ الأنفاسِ كالإسفَنجِ
 
تمتصُّ انكساركَ حين تنكسرُ الشعوبْ
 
ما أصعبَ الكلماتِ إن كان الدمُ العربيُّ مُعجمَها
 
وإن كانتْ قواميسُ البلاغةِ لا تنوبْ
 
ورأيتَ بغدادَ انكسرتَ، لمحتَ لبنانَ انفطرتَ
 
رأيتَ دربَ القدسِ لا يفضي إليكَ كأنما
 
هرَبتْ من القدسِ الدروبْ
 
ما أكذبَ الأشعارَ في زمنِ الحروبْ
 
ما أصدقَ الأحزانَ في زمنِ الحروبْ
 
زمنٌ يكابرُ والمدى خَجِلٌ ، فغِِبْ
 
ما شئتَ من موتٍ ، وعُدْ
 
إن عادَ شرقُكَ تائباً
 
فاغفر له كلَّ الذنوبْ
 
***
 
أدمنتَ أسئلةَ الحياةِ
 
وذقتَ أجوبةَ المماتْ
 
وحملتَ غيمكَ نازفاً فيها
 
ولوّنتَ الجهاتْ
 
فكأنما هي ربذةٌ
 
وكأنما وجهُ الغفاريِّ استعادكَ
 
مسرحاً أو مفرداتْ
 
ورأيتَ إخوةَ يوسفٍ
 
يتقاطرون عليكَ شَملاً من شَتاتْ
 
ورأيتَ أرضَكَ تُفتدى
 
والعالمَ العربيَّ حولك يُفتدى
 
بالمضحكاتِ المبكياتْ
 
فرضيتَ بالموتِ القصيرِ لكي ترى
 
ما خلفَ هذا التلِّ في منفى السباتْ
 
ورجعْتَ تنسجُ كائناتِ الشعرِ
 
تفتقُ بالمواجعِ كائناتْ
 
فرسمْتَ من حزنِ القصيدةِ ما ترى
 
ورسمْتَ خارطةَ الحياةِ .. إلى الحياةْ
© 2024 - موقع الشعر