لَقَد حازَني وَجْدٌ بِمَن حازَهُ بُعْدُ - أبو الطيب المتنبي

لَقَد حازَني وَجْدٌ بِمَن حازَهُ بُعْدُ "
" فَيا لَيتَني بُعْدٌ وَيا لَيتَهُ وَجْدُ

أُسَرُّ بِتَجديدِ الهَوى ذِكرَ ما مَضى "
" وَإِن كانَ لا يَبقى لَهُ الحَجَرُ الصَلْدُ

سُهادٌ أَتانا مِنكَ في العَينِ عِندَنا "
" رُقادٌ وَقُلّامٌ رَعى سِربُكُمْ وَردُ

مُمَثَّلَةٌ حَتّى كَأَنْ لَم تُفارِقي "
" وَحَتّى كَأَنَّ اليَأسَ مِن وَصلِكِ الوَعدُ

وَحَتّى تَكادي تَمسَحينَ مَدامِعي "
" وَيَعبَقُ في ثَوبَيَّ مِن ريحِكِ النَدُّ

إِذا غَدَرَت حَسناءُ وَفَّت بِعَهدِها "
" فَمِن عَهدِها ألا يَدومَ لَها عَهدُ

وَإِنْ عَشِقَت كانَت أَشَدَّ صَبابَةً "
" وَإِنْ فَرِكَت فَاذهَب فَما فِركُها قَصدُ

وَإِنْ حَقَدَت لَم يَبقَ في قَلبِها رِضًا "
" وَإِنْ رَضِيَت لَم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ

كَذَلِكَ أَخلاقُ النِساءِ وَرُبَّما "
" يَضِلُّ بِها الهادي وَيَخفى بِها الرُشدُ

وَلَكِنَّ حُبًّا خامَرَ القَلبَ في الصِبا "
" يَزيدُ عَلى مَرِّ الزَمانِ وَيَشتَدُّ

سَقى ابنُ عَلِيٍّ كُلَّ مُزنٍ سَقَتكُمُ "
" مُكافَأَةً يَغدو إِلَيها كَما تَغدو

لِتَروى كَما تُروي بِلادًا سَكَنتَها "
" وَيَنبُتُ فيها فَوقَكَ الفَخرُ وَالمَجدُ

بِمَن تَشخَصُ الأَبصارُ يَومَ رُكوبِهِ "
" وَيَخرَقُ مِن زَحمٍ عَلى الرَجُلِ البُردُ

وَتُلقي وَما تَدري البَنانُ سِلاحَها "
" لِكَثرَةِ إيماءٍ إِلَيهِ إِذا يَبدو

ضَروبٌ لِهامِ الضارِبي الهامِ في الوَغى "
" خَفيفٌ إِذا ما أَثقَلَ الفَرَسَ اللِبدُ

بَصيرٌ بِأَخذِ الحَمدِ مِن كُلِّ مَوضِعٍ "
" وَلَو خَبَّأَتهُ بَينَ أَنيابِها الأُسدُ

بِتَأميلِهِ يَغنى الفَتى قَبلَ نَيلِهِ "
" وَبِالذُعرِ مِن قَبلِ المُهَنَّدِ يَنقَدُّ

وَسَيفي لَأَنتَ السَيفُ لا ما تَسُلُّهُ "
" لِضَربٍ وَمِمّا السَيفُ مِنهُ لَكَ الغِمدُ

وَرُمحي لَأَنتَ الرُمحُ لا ما تَبُلُّهُ "
" نَجيعًا وَلَولا القَدحُ لَم يُثقِبِ الزَندُ

مِنَ القاسِمينَ الشُكرَ بَيني وَبَينَهُمْ "
" لِأَنَّهُمُ يُسدى إِلَيهِمْ بِأَن يُسدُوا

فَشُكري لَهُمْ شُكرانِ شُكرٌ عَلى النَدى "
" وَشُكرٌ عَلى الشُكرِ الَّذي وَهَبوا بَعدُ

صِيامٌ بِأَبوابِ القِبابِ جِيادُهُمْ "
" وَأَشخاصُها في قَلبِ خائِفِهِمْ تَعدو

وَأَنفُسُهُمْ مَبذولَةٌ لِوُفودِهِمْ
" وَأَموالُهُمْ في دارِ مَن لَم يَفِد وَفدُ

كَأَنَّ عَطِيّاتِ الحُسَينِ عَساكِرٌ "
" فَفيها العِبِدّى وَالمُطَهَّمَةُ الجُردُ

أَرى القَمَرَ ابنَ الشَمسِ قَد لَبِسَ العُلا "
" رُوَيدَكَ حَتّى يَلبَسَ الشَعَرَ الخَدُّ

وَغالَ فُضولَ الدَرعِ مِن جَنَباتِها "
" عَلى بَدَنٍ قَدُّ القَناةِ لَهُ قَدُّ

وَباشَرَ أَبكارَ المَكارِمِ أَمرَدًا "
" وَكانَ كَذا آباؤُهُ وَهُمُ مُردُ

مَدَحتُ أَباهُ قَبلَهُ فَشَفى يَدي "
" مِنَ العُدمِ مَن تُشفى بِهِ الأَعيُنُ الرُمدُ

حَباني بِأَثمانِ السَوابِقِ دونَها "
" مَخافَةَ سَيري إِنَّها لِلنَوى جُندُ

وَشَهوَةَ عَودٍ إِنَّ جودَ يَمينِهِ "
" ثَناءٌ ثَناءٌ وَالجَوادُ بِها فَردُ

فَلا زِلتُ أَلقى الحاسِدينَ بِمِثلِها "
" وَفي يَدِهِمْ غَيظٌ وَفي يَدِيَ الرِفدُ

وَعِندي قَباطِيُّ الهُمامِ وَمالُهُ "
" وَعِندَهُمُ مِمّا ظَفِرتُ بِهِ الجَحدُ

يَرومونَ شَأوي في الكَلامِ وَإِنَّما "
" يُحاكي الفَتى فيما خَلا المَنطِقَ القِردُ

فَهُمْ في جُموعٍ لا يَراها ابنُ دَأيَةٍ "
" وَهُمْ في ضَجيجٍ لا يُحُسُّ بِها الخُلدُ

وَمِنّي استَفادَ الناسُ كُلَّ غَريبَةٍ "
" فَجازوا بِتَركِ الذَمِّ إِن لَم يَكُن حَمدُ

وَجَدتُ عَلِيًّا وَابنَهُ خَيرَ قَومِهِ "
" وَهُمْ خَيرُ قَومٍ وَاستَوى الحُرُّ وَالعَبدُ

وَأَصبَحَ شِعري مِنهُما في مَكانِهِ "
" وَفي عُنُقِ الحَسناءِ يُستَحسَنُ العِقدُ

© 2024 - موقع الشعر