أَنا لائِمي إِن كُنتُ وَقتَ اللَوائِمِ - أبو الطيب المتنبي

أَنا لائِمي إِن كُنتُ وَقتَ اللَوائِمِ "
" عَلِمتُ بِما بي بَينَ تِلكَ المَعالِمِ

وَلَكِنَّني مِمّا شَدِهتُ مُتَيَّمٌ "
" كَسالٍ وَقَلبي بائِحٌ مِثلُ كاتِمِ

وَقَفنا كَأَنّا كُلُّ وَجدِ قُلوبِنا "
" تَمَكَّنَ مِن أَذوادِنا في القَوائِمِ

وَدُسنا بِأَخفافِ المَطِيِّ تُرابَها "
" فَلا زِلتُ أَستَشفي بِلَثمِ المَناسِمِ

دِيارُ اللَواتي دارُهُنَّ عَزيزَةٌ "
" بِطولِ القَنا يُحفَظنَ لا بِالتَمائِمِ

حِسانُ التَثَنّي يَنقُشُ الوَشيُ مِثلَهُ "
" إِذا مِسنَ في أَجسامِهِنَّ النَواعِمِ

وَيَبسِمنَ عَن دُرٍّ تَقَلَّدنَ مِثلَهُ "
" كَأَنَّ التَراقي وُشِّحَت بِالمَباسِمِ

فَمالي وَلِلدُنيا طِلابي نُجومُها "
" وَمَسعايَ مِنها في شُدوقِ الأَراقِمِ

مِنَ الحِلمِ أَن تَستَعمِلَ الجَهلَ دونَهُ "
" إِذا اِتَّسَعَت في الحِلمِ طُرْقُ المَظالِمِ

وَأَن تَرِدَ الماءَ الَّذي شَطرُهُ دَمٌ "
" فَتُسقى إِذا لَم يُسقَ مَن لَم يُزاحِمِ

وَمَن عَرَفَ الأَيّامَ مَعرِفَتي بِها "
" وَبِالناسِ رَوّى رُمحَهُ غَيرَ راحِمِ

فَلَيسَ بِمَرحومٍ إِذا ظَفِروا بِهِ "
" وَلا في الرَدى الجاري عَلَيهِم بِآثِمِ

إِذا صُلتُ لَم أَترُك مَصالاً لِصائِلٍ "
" وَإِن قُلتُ لَم أَترُك مَقالاً لِعالِمِ

وَإِلا فَخانَتني القَوافي وَعاقَني "
" عَنِ اِبنِ عُبَيدِ اللَهِ ضُعفُ العَزائِمِ

عَنِ المُقتَني بَذلَ التَلادِ تِلادَهُ "
" وَمُجتَنِبِ البُخلِ اِجتِنابَ المَحارِمِ

تَمَنّى أَعاديهِ مَحَلَّ عُفاتِهِ "
" وَتَحسُدُ كَفَّيهِ ثِقالُ الغَمائِمِ

وَلا يَتَلَقّى الحَربَ إِلا بِمُهجَةٍ "
" مُعَظَّمَةٍ مَذخورَةٍ لِلعَظائِمِ

وَذي لَجَبٍ لا ذو الجَناحِ أَمامَهُ "
" بِناجٍ وَلا الوَحشُ المُثارُ بِسالِمِ

تَمُرُّ عَلَيهِ الشَمسُ وَهيَ ضَعيفَةٌ "
" تُطالِعُهُ مِن بَينِ ريشِ القَشاعِمِ

إِذا ضَوؤُها لاقى مِنَ الطَيرِ فُرجَةً "
" تَدَوَّرَ فَوقَ البَيضِ مِثلَ الدَراهِمِ

وَيَخفى عَلَيكَ البَرقُ وَالرَعدُ فَوقَهُ "
" مِنَ اللَمعِ في حافاتِهِ وَالهَماهِمِ

أَرى دونَ ما بَينَ الفُراتِ وَبَرقَةٍ "
" ضِرابًا يُمَشّي الخَيلَ فَوقَ الجَماجِمِ

وَطَعنَ غَطاريفٍ كَأَنَّ أَكُفَّهُمْ "
" عَرَفنَ الرُدَينِيّاتِ قَبلَ المَعاصِمِ

حَمَتهُ عَلى الأَعداءِ مِن كُلِّ جانِبٍ "
" سُيوفُ بَني طُغجِ بنِ جُفِّ القَماقِمِ

هُمُ المُحسِنونَ الكَرَّ في حَومَةِ الوَغى "
" وَأَحسَنُ مِنهُ كَرُّهُمْ في المَكارِمِ

وَهُم يُحسِنونَ العَفوَ عَن كُلِّ مُذنِبٍ "
" وَيَحتَمِلونَ الغُرمَ عَن كُلِّ غارِمِ

حَيِيّونَ إِلا أَنَّهُم في نِزالِهِمْ "
" أَقَلُّ حَياءً مِن شِفارِ الصَوارِمِ

وَلَولا اِحتِقارُ الأُسدِ شَبَّهتُها بِهِمْ "
" وَلَكِنَّها مَعدودَةٌ في البَهائِمِ

سَرى النَومُ عَنّي في سُرايَ إِلى الَّذي "
" صَنائِعُهُ تَسري إِلى كُلِّ نائِمِ

إِلى مُطلِقِ الأَسرى وَمُختَرِمِ العِدا "
" وَمُشكي ذَوي الشَكوى وَرَغمِ المُراغِمِ

كَريمٌ نَفَضتُ الناسَ لَمّا بَلَغتُهُ "
" كَأَنَّهُمُ ما جَفَّ مِن زادِ قادِمِ

وَكادَ سُروري لا يَفي بِنَدامَتي "
" عَلى تَركِهِ في عُمرِيَ المُتَقادِمِ

وَفارَقتُ شَرَّ الأَرضِ أَهلاً وَتُربَةً "
" بِها عَلَوِيٌّ جَدُّهُ غَيرُ هاشِمِ

بَلى اللهُ حُسّادَ الأَميرِ بِحِلمِهِ "
" وَأَجلَسَهُ مِنهُمْ مَكانَ العَمائِمِ

فَإِنَّ لَهُمْ في سُرعَةِ المَوتِ راحَةً "
" وَإِنَّ لَهُمْ في العَيشِ حَزَّ الغَلاصِمِ

كَأَنَّكَ ما جاوَدتَ مَن بانَ جودُهُ "
" عَلَيكَ وَلا قاتَلتَ مَن لَم تُقاوِمِ

© 2024 - موقع الشعر