الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا - أبو الطيب المتنبي

الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا "
" وَأَلَذُّ شَكوى عاشِقٍ ما أَعلَنا

لَيتَ الحَبيبَ الهاجِري هَجرَ الكَرى "
" مِن غَيرِ جُرمٍ واصِلي صِلَةَ الضَنا

بِنّا فَلَو حَلَّيتَنا لَم تَدرِ ما "
" أَلوانُنا مِمّا امتُقِعنَ تَلَوُّنا

وَتَوَقَّدَت أَنفاسُنا حَتّى لَقَدْ "
" أَشفَقتُ تَحتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنا

أَفدي المُوَدِّعَةَ الَّتي أَتبَعتُها "
" نَظَرًا فُرادى بَينَ زَفْراتٍ ثُنا

أَنكَرتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرَّةً "
" ثُمَّ اعتَرَفتُ بِها فَصارَت دَيدَنا

وَقَطَعتُ في الدُنيا الفَلا وَرَكائِبي "
" فيها وَوَقتَيَّ الضُحى وَالمَوهِنا

وَوَقَفتُ مِنها حَيثُ أَوقَفَني النَدى "
" وَبَلَغتُ مِن بَدرِ ابنِ عَمّارِ المُنا

لِأَبي الحُسَينِ جَدًى يَضيقُ وِعائُهُ "
" عَنهُ وَلَو كانَ الوِعاءُ الأَزمُنا

وَشَجاعَةٌ أَغناهُ عَنها ذِكرُها "
" وَنَهى الجَبانَ حَديثُها أَن يَجبُنا

نيطَت حَمائِلُهُ بِعاتِقِ مِحْرَبٍ "
" ما كَرَّ قَطُّ وَهَل يَكُرُّ وَما انثَنى

فَكَأَنَّهُ وَالطَعنُ مِن قُدّامِهِ "
" مُتَخَوِّفٌ مِن خَلفِهِ أَن يُطعَنا

نَفَتِ التَوَهُّمَ عَنهُ حِدَّةُ ذِهنِهِ "
" فَقَضى عَلى غَيبِ الأُمورُ تَيَقُّنا

يَتَفَزَّعُ الجَبّارُ مِن بَغَتاتِهِ "
" فَيَظَلُّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنا

أَمضى إِرادَتَهُ فَ(سَوفَ) لَهُ (قَدٌ)"
" وَاستَقرَبَ الأَقصى فَ(ثَمَّ) لَهُ (هُنا)

يَجِدُ الحَديدَ عَلى بَضاضَةِ جِلدِهِ "
" ثَوبًا أَخَفَّ مِنَ الحَريرِ وَأَليَنا

وَأَمَرُّ مِن فَقدِ الأَحِبَّةِ عِندَهُ "
" فَقدُ السُيوفِ الفاقِداتِ الأَجفُنا

لا يَستَكِنُّ الرُعبُ بَينَ ضُلوعِهِ "
" يَومًا وَلا الإِحسانُ ألا يُحسِنا

مُستَنبِطٌ مِن عِلمِهِ ما في غَدٍ "
" فَكَأَنَّ ما سَيَكونُ فيهِ دُوِّنا

تَتَقاصَرُ الأَفهامُ عَن إِدراكِهِ "
" مِثلَ الَّذي الأَفلاكُ فيهِ وَالدُنا

مَن لَيسَ مِن قَتلاهُ مِن طُلَقائِهِ "
" مَن لَيسَ مِمَّن دانَ مِمَّن حُيِّنا

لَمّا قَفَلتَ مِنَ السَواحِلِ نَحوَنا "
" قَفَلَتْ إِلَيها وَحشَةٌ مِن عِندِنا

أَرِجَ الطَريقُ فَما مَرَرتَ بِمَوضِعٍ "
" إِلّا أَقامَ بِهِ الشَذا مُستَوطِنا

لَو تَعقِلُ الشَجَرُ الَّتي قابَلتَها "
" مَدَّتْ مُحَيِّيَةً إِلَيكَ الأَغصُنا

سَلَكَتْ تَماثيلَ القِبابِ الجِنُّ مِن "
" شَوقٍ بِها فَأَدَرنَ فيكَ الأَعيُنا

طَرِبَتْ مَراكِبُنا فَخِلنا أَنَّها "
" لَولا حَياءٌ عاقَها رَقَصَتْ بِنا

أَقبَلتَ تَبسِمُ وَالجِيادُ عَوابِسٌ "
" يَخبُبنَ بِالحَلَقِ المُضاعَفِ وَالقَنا

عَقَدَتْ سَنابِكُها عَلَيها عِثيَرًا "
" لَو تَبتَغي عَنَقًا عَلَيهِ أَمكَنا

وَالأَمرُ أَمرُكَ وَالقُلوبُ خَوافِقٌ "
" في مَوقِفٍ بَينَ المَنِيَّةِ وَالمُنى

فَعَجِبتُ حَتّى ما عَجِبتُ مِنَ الظُبا "
" وَرَأَيتُ حَتّى ما رَأَيتُ مِنَ السَنا

إِنّي أَراكَ مِنَ المَكارِمِ عَسكَرًا "
" في عَسكَرٍ وَمِنَ المَعالي مَعدِنا

فَطِنَ الفُؤادُ لِما أَتَيتُ عَلى النَوى "
" وَلِما تَرَكتُ مَخافَةً أَن تَفطُنا

أَضحى فِراقُكَ لي عَلَيهِ عُقوبَةً "
" لَيسَ الَّذي قاسَيتُ مِنهُ هَيِّنا

فَاغفِر فِدىً لَكَ وَاحبُني مِن بَعدِها "
" لِتَخُصَّني بِعَطِيَّةٍ مِنها أَنا

وَانهَ المُشيرَ عَلَيكَ فيَّ بِضَلَّةٍ "
" فَالحَرُّ مُمتَحِنٌ بِأَولادِ الزِنا

وَإِذا الفَتى طَرَحَ الكَلامَ مُعَرِّضًا "
" في مَجلِسٍ أَخَذَ الكَلامَ اللَذْ عَنا

وَمَكايِدُ السُفَهاءِ واقِعَةٌ بِهِمْ "
" وَعَداوَةُ الشُعَراءِ بِئسَ المُقتَنى

لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللَئيمِ فَإِنَّها "
" ضَيفٌ يَجِرُّ مِنَ النَدامَةِ ضَيفَنا

غَضَبُ الحَسودِ إِذا لَقيتُكَ راضِيًا "
" رُزءٌ أَخَفُّ عَلَيَّ مِن أَن يوزَنا

أَمسى الَّذي أَمسى بِرَبِّكَ كافِرًا "
" مِن غَيرِنا مَعَنا بِفَضلِكَ مُؤمِنا

خَلَتِ البِلادُ مِنَ الغَزالَةِ لَيلَها "
" فَأَعاضَهاكَ اللهُ كَي لا تَحزَنا

© 2024 - موقع الشعر