أَعيدوا صَباحي فَهوَ عِندَ الكَواعِبِ - أبو الطيب المتنبي

أَعيدوا صَباحي فَهوَ عِندَ الكَواعِبِ "
" وَرُدّوا رُقادي فَهوَ لَحظُ الحَبائِبِ

فَإِنَّ نَهاري لَيلَةٌ مُدلَهِمَّةٌ "
" عَلى مُقلَةٍ مِن بَعدِكُمْ في غَياهِبِ

بَعيدَةِ ما بَينَ الجُفونِ كَأَنَّما "
" عَقَدتُمْ أَعالي كُلِّ هُدبٍ بِحاجِبِ

وَأَحسَبُ أَنّي لَو هَويتُ فِراقَكُمْ "
" لَفارَقتُهُ وَالدَهرُ أَخبَثُ صاحِبِ

فَيا لَيتَ ما بَيني وَبَينَ أَحِبَّتي "
" مِنَ البُعدِ ما بَيني وَبَينَ المَصائِبِ

أَراكَ ظَنَنتِ السِلكَ جِسمي فَعُقتِهِ "
" عَلَيكِ بِدُرٍّ عَن لِقاءِ التَرائِبِ

وَلَو قَلَمٌ أُلقيتُ في شَقِّ رَأسِهِ "
" مِنَ السُقمِ ما غَيَّرتُ مِن خَطِّ كاتِبِ

تُخَوِّفُني دونَ الَّذي أَمَرَتْ بِهِ "
" وَلَم تَدرِ أَنَّ العارَ شَرُّ العَواقِبِ

وَلا بُدَّ مِن يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ "
" يَطولُ استِماعي بَعدَهُ لِلنَوادِبِ

يَهونُ عَلى مِثلي إِذا رامَ حاجَةً "
" وُقوعُ العَوالي دونَها وَالقَواضِبِ

كَثيرُ حَياةِ المَرءِ مِثلُ قَليلِها "
" يَزولُ وَباقي عَيشِهِ مِثلُ ذاهِبِ

إِلَيكِ فَإِنّي لَستُ مِمَّن إِذا اتَّقى "
" عِضاضَ الأَفاعي نامَ فَوقَ العَقارِبِ

أَتاني وَعيدُ الأَدعِياءِ وَأَنَّهُمْ "
" أَعَدّوا لِيَ السودانَ في كَفرِ عاقِبِ

وَلَو صَدَقوا في جَدِّهِمْ لَحَذِرتُهُمْ "
" فَهَل فيَّ وَحدي قَولُهُمْ غَيرُ كاذِبِ

إِلَيَّ لَعَمري قَصدُ كُلِّ عَجيبَةٍ "
" كَأَنّي عَجيبٌ في عُيونِ العَجائِبِ

بِأَيِّ بِلادٍ لَم أَجُرَّ ذُؤابَتي "
" وَأَيُّ مَكانٍ لَم تَطَأهُ رَكائِبي

كَأَنَّ رَحيلي كانَ مِن كَفِّ طاهِرٍ "
" فَأَثبَتَ كُورِي في ظُهورِ المَواهِبِ

فَلَم يَبقَ خَلقٌ لَم يَرِدنَ فِناءَهُ "
" وَهُنَّ لَهُ شِربٌ وُرودَ المَشارِبِ

فَتىً عَلَّمَتهُ نَفسُهُ وَجُدودُهُ "
" قِراعَ الأَعادي وَابتِذالَ الرَغائِبِ

فَقَد غَيَّبَ الشُهّادَ عَن كُلِّ مَوطِنٍ "
" وَرَدَّ إِلى أَوطانِهِ كُلَّ غائِبِ

كَذا الفاطِمِيّونَ النَدى في بَنانِهِمْ "
" أَعَزُّ امِّحاءً مِن خُطوطِ الرَواجِبِ

أُناسٌ إِذا لاقَوا عِدىً فَكَأَنَّما "
" سِلاحُ الَّذي لاقَوا غُبارُ السَلاهِبِ

رَمَوا بِنَواصيها القِسِيَّ فَجِئنَها "
" دَوامي الهَوادي سالِماتِ الجَوانِبِ

أولَئِكَ أَحلى مِن حَياةٍ مُعادَةٍ "
" وَأَكثَرُ ذِكرًا مِن دُهورِ الشَبائِبِ

نَصَرتَ عَلِيًّا يا ابنَهُ بِبَواتِرٍ "
" مِنَ الفِعلِ لا فَلٌّ لَها في المَضارِبِ

وَأَبهَرُ آياتِ التِهامِيِّ أَنَّهُ "
" أَبوكَ وَأَجدى مالَكُمْ مِن مَناقِبِ

إِذا لَم تَكُن نَفسُ النَسيبِ كَأَصلِهِ "
" فَماذا الَّذي تُغني كِرامُ المَناصِبِ

وَما قَرُبَت أَشباهُ قَومٍ أَباعِدٍ "
" وَلا بَعُدَت أَشباهُ قَومٍ أَقارِبِ

إِذا عَلَوِيٌّ لَم يَكُن مِثلَ طاهِرٍ "
" فَما هُوَ إِلّا حُجَّةٌ لِلنَواصِبِ

يَقولونَ تَأثيرُ الكَواكِبِ في الوَرى "
" فَما بالُهُ تَأثيرُهُ في الكَواكِبِ

عَلا كَتَدَ الدُنيا إِلى كُلِّ غايَةٍ "
" تَسيرُ بِهِ سَيرَ الذَلولِ بِراكِبِ

وَحُقَّ لَهُ أَن يَسبِقَ الناسَ جالِسًا "
" وَيُدرِكَ ما لَم يُدرِكوا غَيرَ طالِبِ

وَيُحذى عَرانينَ المُلوكِ وَإِنَّها "
" لِمَن قَدَمَيهِ في أَجَلِّ المَراتِبِ

يَدٌ لِلزَمانِ الجَمعُ بَيني وَبَينَهُ "
" لِتَفريقِهِ بَيني وَبَينَ النَوائِبِ

هُوَ ابنُ رَسولِ اللهِ وَابنُ وَصِيِّهِ "
" وَشِبهُهُما شَبَّهتُ بَعدَ التَجارِبِ

يَرى أَنَّ ما ما بانَ مِنكَ لِضارِبٍ "
" بِأَقتَلَ مِمّا بانَ مِنكَ لِعائِبِ

أَلا أَيُّها المالُ الَّذي قَد أَبادَهُ "
" تَعَزَّ فَهَذا فِعلُهُ في الكَتائِبِ

لَعَلَّكَ في وَقتٍ شَغَلتَ فُؤادَهُ "
" عَنِ الجودِ أَو كَثَّرتَ جَيشَ مُحارِبِ

حَمَلتُ إِلَيهِ مِن لِساني حَديقَةً "
" سَقاها الحِجى سَقيَ الرِياضَ السَحائِبِ

فَحُيِّيتَ خَيرَ ابنٍ لِخَيرِ أَبٍ بِها "
" لِأَشرَفِ بَيتٍ في لُؤَيِّ بنِ غالِبِ

© 2024 - موقع الشعر