أُطاعِنُ خَيلًا مِن فَوارِسِها الدَهرُ - أبو الطيب المتنبي

أُطاعِنُ خَيلًا مِن فَوارِسِها الدَهرُ "
" وَحيدًا وَما قَولي كَذا وَمَعي الصَبرُ

وَأَشجَعُ مِنّي كُلَّ يَومٍ سَلامَتي "
" وَما ثَبَتَت إِلّا وَفي نَفسِها أَمرُ

تَمَرَّستُ بِالآفاتِ حَتّى تَرَكتُها "
" تَقولُ أَماتَ المَوتُ أَم ذُعِرَ الذُعرُ

وَأَقدَمتُ إِقدامَ الأَتِيِّ كَأَنَّ لي "
" سِوى مُهجَتي أَو كانَ لي عِندَها وِترُ

ذَرِ النَفسَ تَأخُذ وُسعَها قَبلَ بَينِها "
" فَمُفتَرِقٌ جارانِ دارُهُما العُمرُ

وَلا تَحسَبَنَّ المَجدَ زِقًّا وَقَينَةً "
" فَما المَجدُ إِلّا السَيفُ وَالفَتكَةُ البِكرُ

وَتَضريبُ أَعناقِ المُلوكِ وَهامِها "
" لَكَ الهَبَواتُ السودُ وَالعَسكَرُ المَجرُ

وَتَركُكَ في الدُنيا دَوِيًّا كَأَنَّما "
" تَداوَلُ سَمعَ المَرءِ أَنمُلُهُ العَشرُ

إِذا الفَضلُ لَم يَرفَعكَ عَن شُكرِ ناقِصٍ "
" عَلى هِبَةٍ فَالفَضلُ فيمَن لَهُ الشُكرُ

وَمَن يُنفِقِ الساعاتِ في جَمعِ مالِهِ "
" مَخافَةَ فَقرٍ فَالَّذي فَعَلَ الفَقرُ

عَلَيَّ لِأَهلِ الجَورِ كُلُّ طِمِرَّةٍ "
" عَلَيها غُلامٌ مِلءُ حَيزومِهِ غِمرُ

يُديرُ بِأَطرافِ الرِماحِ عَلَيهِمُ "
" كُؤوسَ المَنايا حَيثُ لا تُشتَهى الخَمرُ

وَكَم مِن جِبالٍ جُبتُ تَشهَدُ أَنَّني ال "
" جِبالُ وَبَحرٍ شاهِدٍ أَنَّني البَحرُ

وَخَرقٍ مَكانُ العيسِ مِنهُ مَكانُنا "
" مِنَ العيسِ فيهِ واسِطُ الكورِ وَالظَهرُ

يَخِدنَ بِنا في جَوزِهِ وَكَأَنَّنا "
" عَلى كُرَةٍ أَو أَرضُهُ مَعَنا سَفرُ

وَيَومٍ وَصَلناهُ بِلَيلٍ كَأَنَّما "
" عَلى أُفقِهِ مِن بَرقِهِ حُلَلٌ حُمرُ

وَلَيلٍ وَصَلناهُ بِيَومٍ كَأَنَّما "
" عَلى مَتنِهِ مِن دَجنِهِ حُلَلٌ خُضرُ

وَغَيثٌ ظَنَنّا تَحتُهُ أَنَّ عامِرًا "
" عَلا لَم يَمُت أَو في السَحابِ لَهُ قَبرُ

أَوِ ابنَ ابنِهِ الباقي عَلِيَّ بنَ أَحمَدٍ "
" يَجودُ بِهِ لَو لَم أَجُز وَيَدي صِفرُ

وَإِنَّ سَحابًا جَودُهُ مِثلُ جودِهِ "
" سَحابٌ عَلى كُلِّ السَحابِ لَهُ فَخرُ

فَتىً لا يَضُمُّ القَلبُ هِمّاتِ قَلبِهِ "
" وَلَو ضَمَّها قَلبٌ لَما ضَمَّهُ صَدرُ

وَلا يَنفَعُ الإِمكانُ لَولا سَخاؤُهُ "
" وَهَل نافِعٌ لَولا الأَكُفُّ القَنا السُمرُ

قِرانٌ تَلاقى الصَلتُ فيهِ وَعامِرٌ "
" كَما يَتَلاقى الهِندُوانِيُّ وَالنَصرُ

فَجاءا بِهِ صَلتَ الجَبينِ مُعَظَّمًا "
" تَرى الناسَ قُلًّا حَولَهُ وَهُمُ كُثرُ

مُفَدّى بِآباءِ الرِجالِ سَمَيذَعًا "
" هُوَ الكَرَمُ المَدُّ الَّذي مالَهُ جَزرُ

وَما زِلتُ حَتّى قادَني الشَوقُ نَحوَهُ "
" يُسايِرُني في كُلِّ رَكبٍ لَهُ ذِكرُ

وَأَستَكبِرُ الأَخبارَ قَبلَ لِقائِهِ "
" فَلَمّا التَقَينا صَغَّرَ الخَبَرَ الخُبرُ

إِلَيكَ طَعَنّا في مَدى كُلِّ صَفصَفٍ "
" بِكُلِّ وَآةٍ كُلُّ ما لَقِيَت نَحرُ

إِذا وَرِمَت مِن لَسعَةٍ مَرِحَت لَها "
" كَأَنَّ نَوالًا صَرَّ في جِلدِها النِبرُ

فَجِئناكَ دونَ الشَمسِ وَالبَدرِ في النَوى "
" وَدونَكَ في أَحوالِكَ الشَمسُ وَالبَدرُ

كَأَنَّكَ بَردُ الماءِ لا عَيشَ دونَهُ "
" وَلَو كُنتَ بَردَ الماءِ لَم يَكُنِ العِشرُ

دَعاني إِلَيكَ العِلمُ وَالحِلمُ وَالحِجا "
" وَهَذا الكَلامُ النَظمُ وَالنائِلُ النَثرُ

وَما قُلتُ مِن شِعرٍ تَكادُ بُيوتُهُ "
" إِذا كُتِبَت يَبيَضُّ مِن نورِها الحِبرُ

كَأَنَّ المَعاني في فَصاحَةِ لَفظِها "
" نُجومُ الثُرَيّا أَو خَلائِقُكَ الزُهرُ

وَجَنَّبَني قُربَ السَلاطينِ مَقتُها "
" وَما يَقتَضيني مِن جَماجِمِها النَسرُ

وَإِنّي رَأَيتُ الضُرَّ أَحسَنَ مَنظَرًا "
" وَأَهوَنَ مِن مَرأى صَغيرٍ بِهِ كِبرُ

لِساني وَعَيني وَالفُؤادُ وَهِمَّتي "
" أَوُدُّ اللَواتي ذا اسمُها مِنكَ وَالشَطرُ

وَما أَنا وَحدي قُلتُ ذا الشِعرَ كُلَّهُ "
" وَلَكِنْ لِشِعري فيكَ مِن نَفسِهِ شِعرُ

وَماذا الَّذي فيهِ مِنَ الحُسنِ رَونَقًا "
" وَلَكِن بَدا في وَجهِهِ نَحوَكَ البِشرُ

وَإِنّي وَإِن نِلتُ السَماءَ لَعالِمٌ "
" بِأَنَّكَ ما نِلتَ الَّذي يوجِبُ القَدرُ

أَزالَت بِكَ الأَيّامُ عَتبى كَأَنَّما "
" بَنوها لَها ذَنبٌ وَأَنتَ لَها عُذرُ

© 2024 - موقع الشعر