أَبعَدُ نَـأيِ المَليحَـةِ البَخَـلُ - أبو الطيب المتنبي

أَبعَدُ نَأيِ المَليحَةِ البَخَلُ "
" في البُعدِ ما لا تُكَلَّفُ الإِبلُ

مَلولَةٌ ما يَدومُ لَيسَ لَها "
" مِن مَلَلٍ دائِمٍ بِها مَلَلُ

كَأَنَّما قَدُّها إذا انفَتَلَتْ "
" سَكرانُ مِن خَمرِ طَرفِها ثَمِلُ

يَجذِبُها تَحتَ خَصرِها عَجُزٌ "
" كَأَنَّهُ مِن فِراقِها وَجِلُ

بي حَرُّ شَوقٍ إِلى تَرَشُّفِها "
" يَنفَصِلُ الصَبرُ حينَ يَتَّصِلُ

الثَغرُ وَالنَحرُ وَالمُخَلخَلُ وَال "
" مِعصَمُ دائي وَالفاحِمُ الرَجِلُ

وَمَهمَهٍ جُبتُهُ عَلى قَدَمي "
" تَعجِزُ عَنهُ العَرامِسُ الذُلُلُ

بِصارِمي مُرتَدٍ بِمَخبُرَتي "
" مُجتَزِئٌ بِالظَلامِ مُشتَمِلُ

إِذا صَديقٌ نَكِرتُ جانِبَهُ "
" لَم تُعيِني في فِراقِهِ الحِيَلُ

في سَعَةِ الخافِقَينِ مُضطَرَبٌ "
" وَفي بِلادٍ مِن أُختِها بَدَلُ

وَفي اعتِمادِ الأَميرِ بَدرِ بنِ عَم "
" مارٍ عَنِ الشُغلِ بِالوَرى شُغُلُ

أَصبَحَ مالٌ كَمالُهُ لِذَوي ال "
" حاجَةِ لا يُبتَدى وَلا يُسَلُ

هانَ عَلى قَلبِهِ الزَمانُ فَما "
" يَبينُ فيهِ غَمٌّ وَلا جَذَلُ

يَكادُ مِن طاعَةِ الحِمامِ لَهُ "
" يَقتُلُ مَن مادَنا لَهُ أَجَلُ

يَكادُ مِن صِحَّةِ العَزيمَةِ ما "
" يَفعَلُ قَبلُ الفِعالِ يَنفَعِلُ

تُعرَفُ في عَينِهِ حَقائِقُهُ "
" كَأَنَّهُ بِالذَكاءِ مُكتَحِلُ

أُشفِقُ عِندَ اتِّقادِ فِكرَتِهِ "
" عَلَيهِ مِنها أَخافُ يَشتَعِلُ

أَغَرُّ أَعداؤُهُ إِذا سَلِموا "
" بِالهَرَبِ استَكبَروا الَّذي فَعَلوا

يُقْبِلُهُمْ وَجهَ كُلِّ سابِحَةٍ "
" أَربَعُها قَبلَ طَرفِها تَصِلُ

جَرداءَ مِلءِ الحِزامِ مُجفَرَةٍ "
" تَكونُ مِثلَي عَسيبِها الخُصَلُ

إِن أَدبَرَت قُلتَ لا تَليلَ لَها "
" أَو أَقبَلَت قُلتَ ما لَها كَفَلُ

وَالطَعنُ شَزرٌ وَالأَرضُ واجِفَةٌ "
" كَأَنَّما في فُؤادِها وَهَلُ

قَد صَبَغَت خَدَّها الدِماءُ كَما "
" يَصبُغُ خَدَّ الخَريدَةِ الخَجَلُ

وَالخَيلُ تَبكي جُلودُها عَرَقًا "
" بِأَدمُعٍ ما تَسُحُّها مُقَلُ

سارٍ وَلا قَفرَ في مَواكِبِهِ "
" كَأَنَّما كُلُّ سَبسَبٍ جَبَلُ

يَمنَعُها أَن يُصيبَها مَطَرٌ "
" شِدَّةُ ما قَد تَضايَقَ الأَسَلُ

يا بَدرُ يا بَحرُ يا عَمامَةُ يا "
" لَيثَ الشَرى يا حِمامُ يا رَجُلُ

إِنَّ البَنانَ الَّذي تُقَلِّبُهُ "
" عِندَكَ في كُلِّ مَوضِعٍ مَثَلُ

إِنَّكَ مِن مَعشَرٍ إِذا وَهَبوا "
" ما دونَ أَعمارِهِمْ فَقَد بَخَلوا

قُلوبُهُمْ في مَضاءِ ما اِمتَشَقوا "
" قاماتُهُم في تَمامِ ما اِعتَقَلوا

أَنتَ نَقيضُ اِسمِهِ إِذا اختَلَفَت "
" قَواضِبُ الهِندِ وَالقَنا الذُبُلُ

أَنتَ لِعَمري البَدرُ المُنيرُ وَلَ "
" كِنَّكَ في حَومَةِ الوَغى زُحَلُ

كَتيبَةٌ لَستَ رَبَّها نَفَلٌ "
" وَبَلدَةٌ لَستَ حَليَها عُطُلُ

قُصِدتَ مِن شَرقِها وَمَغرِبِها "
" حَتّى اشتَكَتكَ الرِكابُ وَالسُبُلِ

لَم تُبقِ إِلا قَليلَ عافِيَةٍ "
" قَد وَفَدَت تَجتَدِيكَها العِلَلُ

عُذرُ المَلومَينِ فيكَ أَنَّهُما "
" آسٍ جَبانٌ وَمِبضَعٌ بَطَلُ

مَدَدتَ في راحَةِ الطَبيبِ يَدًا "
" وَما دَرى كَيفَ يُقطَعُ الأَمَلُ

إِن يَكُنِ البَضعُ ضَرَّ باطِنَها "
" فَرُبَّما ضَرَّ ظَهرَها القُبَلُ

يَشُقُّ في عِرقِها الفِصادُ وَلا "
" يَشُقُّ في عِرقِ جودِها العَذَلُ

خامَرَهُ إِذ مَدَدتَها جَزَعٌ "
" كَأَنَّهُ مِن حَذافَةٍ عَجِلُ

جازَ حُدودَ اِجتِهادِهِ فَأَتى "
" غَيرَ اجتِهادٍ لأُمِّهِ الهَبَلُ

أَبلَغُ ما يُطلَبُ النَجاحُ بِهِ ال "
" طَبعُ وَعِندَ التَعَمُّقِ الزَلَلُ

اِرثِ لَها إِنَّها بِما مَلَكَتْ "
" وَبِالَّذي قَد أَسَلتَ تَنهَمِلُ

مِثلُكَ يا بَدرُ لا يَكونُ وَلا "
" تَصلُحُ إِلا لِمِثلِكَ الدُوَلُ

© 2024 - موقع الشعر