أخفُّ مناطاً في الرقاب وأوْكَدُ - ابن الرومي

أخفُّ مناطاً في الرقاب وأوْكَدُ
على ما مضى ؟أم حسرة ٌ تتجدد؟

خليليَّ ما بعد الشباب رزية
يُجَمُّ لها ماء الشؤون ويُعْتَدُ

ولا تعجبا لِلْجَلْدِ يبكي فربّما
تفطر عن عينٍ من الماء جلمدُ

شبابُ الفتى مجلودُه وعزاؤه
فكيف؟وأنَّى ؟بعده يتجلَّدُ

وفَقْدُ الشَّبابِ الموتُ، يوجد طعْمُهُ
فصادَف قَتَّالَ الطُّغاة ِ بمَرْصَدٍ

رزئت شبابي عودة بعد بدأة ٍ
وهن الرزايا بادياتٌ وعوّدُ

سُلِبتُ سوادَ العارضَيْن، وقبلُهُ
بياضَهما المحمودَ إذ أنا أمْردُ

وبُدّلتُ من ذاك البياض وحسنهِ
بياضاً ذميما لا يزال يُسَوّدُ

لشتان ما بين البياضين:معجبٌ
أنيقٌ ومشنوء إلى العين أنكدُ

تضاحك في أفنان رأسي ولحيتي
وأقبحُ ضَحَّاكَيْن: شَيْبٌ وأدْردُ

وكنتُ جلاءً للعيون من القذى
فقد جعلَتْ تقذَي بشيبي وتَرقدُ

هي الأعينُ النجلُ التي كنتَ تشتكي
مواقِعَها في القلب، والرأسُ أسودُ

فما لك تأسَى الآن لما رأيتها
وقد جعلت مرمى سواكَ تَعمَّدُ

تَشَكَّي إذا ما أقصدتكَ سهامُها
وتأسَى إذا نكَّبْنَ عنك وتَكْمدُ

كذلك تلكَ النبلُ مَنْ وقعت به
ومن صُرفتْ عنه من القوم مُقصَدُ

إذا عدلتْ عنا وجدنا عدولَها
كموقعها في القلب بل هو أَجهدُ

تنكّبُ عنا مرة ً فكأنما
مُنَكِّبُهَا عنا إلينا مُسَدِّدُ

كفى حزناً أن الشباب معجلٌ
قصيرُ الليالي والمشيب مخلّد

إذا حَلَّ جَارَى المرء شأْوَ حياته
إلى أن يضم المرءَ والشيبَ ملحد

أرى الدهرَ أجْرَى ليله ونهاره
كَمَا أنَّه وِتْرٌ إذا عُدَّ سُؤْددُ

وجار على ليلِ الشباب فضامَه
نهارُ مشيبٍ سرمد ليس ينفد

وعزاك عن ليل الشباب معاشرٌ
فقالوا: نهارُ الشيب أهدى وأرشدُ

وإن سُلَّ منها فالْفَرائضُ تُرْعَدُ
ولكنّ ظلّ الليل أندى وأبرد

أقول، وقد شابتْ شَوَاتِي وَقَوَّسَتْ
قناتي وأضْحَت كِدْنِتي تَتَخدَّدُ

ودبّ كلالٌ في عظامي أدبَّني
ويوصف إلا أنه لا يُحَدّدُ

وبورك طرْفي فالشخوص حياله
قَرَائن من أدنى مدى ً وَهْيَ فُرَّدُ

بحيث يراعيه الأَصَلُّ الخَفَيْدَدُ
سليمى وريّا عن حديثي ومهددُ

وبُدِّل إعجاب الغواني تعجباً
وَهُنَّ الرزايا بادئاتٌ وعُوَّدُ

لِمَا تُؤذن الدنيا به من صروفها
يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلا فما يبكيه منها وإنها
وماليَ إلاَّ كفُّها مُتَوَسَّدُ

اذا ابصر الدنيا استهل كأنه
بما سوف يلقى من أذاها يُهَدَّدُ

وللنفس أحْوال تظلُّ كأنها
تشاهِد فيها كلَّ غيب سيُشهَدُ

لعبتُ بأولى الدهر فاغْتَال شِرَّتي
بأخرَى حقودٍ والجرائم تحقد

فصبراً على ما اشتدّ منه فانمأ
يقوم لما يشتد من يَتَشدَّدُ

تذيق الفتى طوْرَى رخاء وشدة
حوادثهُ والحولُ بالحولِ يُطرد

ومالي عزاء عن شبابي علمتُه
سوى أنني من بعده لا أُخَلَّدُ

وأن مَشِيبي واعدٌ بلَحَاقه
وإنْ قال قوم إنه يَتَوَعَّدُ

© 2024 - موقع الشعر