أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ ما لا تَوَدُّهُ - أبو الطيب المتنبي

أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ ما لا تَوَدُّهُ "
" وَأَشكو إِلَيها بَينَنا وَهيَ جُندُهُ

يُباعِدنَ حِبًّا يَجتَمِعنَ وَوَصلُهُ "
" فَكَيفَ بِحِبٍّ يَجتَمِعنَ وَصَدُّهُ

أَبى خُلُقُ الدُنيا حَبيبًا تُديمُهُ "
" فَما طَلَبي مِنها حَبيبًا تَرُدُّهُ

وَأَسرَعُ مَفعولٍ فَعَلتَ تَغَيُّرًا "
" تَكَلُّفُ شَيءٍ في طِباعِكَ ضِدُّهُ

رَعى اللهُ عيسًا فارَقَتنا وَفَوقَها "
" مَهًا كُلُّها يُولى بِجَفنَيهِ خَدُّهُ

بِوادٍ بِهِ ما بِالقُلوبِ كَأَنَّهُ "
" وَقَد رَحَلوا جِيدٌ تَناثَرَ عِقدُهُ

إِذا سارَتِ الأَحداجُ فَوقَ نَباتِهِ "
" تَفاوَحَ مِسكُ الغانِياتِ وَرَندُهُ

وَحالٍ كَإِحداهُنَّ رُمتُ بُلوغَها "
" وَمِن دونِها غَولُ الطَريقِ وَبُعدُهُ

وَأَتعَبُ خَلقِ اللهِ مَن زادَ هَمُّهُ "
" وَقَصَّرَ عَمّا تَشتَهي النَفسُ وُجدُهُ

فَلا يَنحَلِل في المَجدِ مالُكَ كُلُّهُ "
" فَيَنحَلَّ مَجدٌ كانَ بِالمالِ عَقدُهُ

وَدَبِّرهُ تَدبيرَ الَّذي المَجدُ كَفُّهُ "
" إِذا حارَبَ الأَعداءَ وَالمالُ زَندُهُ

فَلا مَجدَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مالُهُ "
" وَلا مالَ في الدُنيا لِمَن قَلَّ مَجدُهُ

وَفي الناسِ مَن يَرضى بِمَيسورِ عَيشِهِ "
" وَمَركوبُهُ رِجلاهُ وَالثَوبُ جِلدُهُ

وَلَكِنَّ قَلبًا بَينَ جَنبَيَّ مالَهُ "
" مَدىً يَنتَهي بي في مُرادٍ أَحُدُّهُ

يَرى جِسمَهُ يُكسى شُفوفًا تَرُبُّهُ "
" فَيَختارُ أَن يُكسى دُروعًا تَهُدُّهُ

يُكَلِّفُني التَهجيرَ في كُلِّ مَهمَهٍ "
" عَليقي مَراعيهِ وَزادِيَ رُبدُهُ

وَأَمضى سِلاحٍ قَلَّدَ المَرءُ نَفسَهُ "
" رَجاءُ أَبي المِسكِ الكَريمِ وَقَصدُهُ

هُما ناصِرا مَن خانَهُ كُلُّ ناصِرٍ "
" وَأُسرَةُ مَن لَم يُكثِرِ النَسلَ جَدُّهُ

أَنا اليَومَ مِن غِلمانِهِ في عَشيرَةٍ "
" لَنا والِدٌ مِنهُ يُفَدّيهِ وُلدُهُ

فَمِن مالِهِ مالُ الكَبيرِ وَنَفسُهُ "
" وَمِن مالِهِ دَرُّ الصَغيرِ وَمَهدُهُ

نَجُرُّ القَنا الخَطِيَّ حَولَ قِبابِهِ "
" وَتَردي بِنا قُبُّ الرِباطِ وَجُردُهُ

وَنَمتَحِنُ النُشّابَ في كُلِّ وابِلٍ "
" دَوِيُّ القِسِيِّ الفارِسِيَّةِ رَعدُهُ

فَإِلّا تَكُن مِصرُ الشَرى أَو عَرينُهُ "
" فَإِنَّ الَّذي فيها مِنَ الناسِ أُسدُهُ

سَبائِكُ كافورٍ وَعِقيانُهُ الَّذي "
" بِصُمِّ القَنا لا بِالأَصابِعِ نَقدُهُ

بَلاها حَوالَيهِ العَدُوُّ وَغَيرُهُ "
" وَجَرَّبَها هَزلُ الطِرادِ وَجِدُّهُ

أَبو المِسكِ لا يَفنى بِذَنبِكَ عَفوُهُ "
" وَلَكِنَّهُ يَفنى بِعُذرِكَ حِقدُهُ

فَيا أَيُّها المَنصورُ بِالجَدِّ سَعيُهُ "
" وَيا أَيُّها المَنصورُ بِالسَعيِ جَدُّهُ

تَوَلّى الصِبا عَنّي فَأَخلَفتُ طيبَهُ "
" وَما ضَرَّني لَمّا رَأَيتُكَ فَقدُهُ

لَقَد شَبَّ في هَذا الزَمانِ كُهولُهُ "
" لَدَيكَ وَشابَت عِندَ غَيرِكَ مُردُهُ

أَلا لَيتَ يَومَ السَيرِ يُخبِرُ حَرُّهُ "
" فَتَسأَلَهُ وَاللَيلَ يُخبِرُ بَردُهُ

وَلَيتَكَ تَرعاني وَحَيرانُ مُعرِضٌ "
" فَتَعلَمَ أَنّي مِن حُسامِكَ حَدُّهُ

وَأَنّي إِذا باشَرتُ أَمرًا أُريدُهُ "
" تَدانَت أَقاصيهِ وَهانَ أَشَدُّهُ

وَما زالَ أَهلُ الدَهرِ يَشتَبِهونَ لي "
" إِلَيكَ فَلَمّا لُحتَ لي لاحَ فَردُهُ

يُقالُ إِذا أَبصَرتُ جَيشًا وَرَبُّهُ "
" أَمامَكَ رَبٌّ رَبُّ ذا الجَيشِ عَبدُهُ

وَأَلقى الفَمَ الضَحّاكَ أَعلَمُ أَنَّهُ "
" قَريبٌ بِذي الكَفِّ المُفَدّاةِ عَهدُهُ

فَزارَكَ مِنّي مَن إِلَيكَ اشتِياقُهُ "
" وَفي الناسِ إِلّا فيكَ وَحدَكَ زُهدُهُ

يُخَلِّفُ مَن لَم يَأتِ دارَكَ غايَةً "
" وَيَأتي فَيَدري أَنَّ ذَلِكَ جُهدُهُ

فَإِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنكَ فَرُبَّما "
" شَرِبتُ بِماءٍ يَعجِزُ الطَيرَ وِردُهُ

وَوَعدُكَ فِعلٌ قَبلَ وَعدٍ لِأَنَّهُ "
" نَظيرُ فَعالِ الصادِقِ القَولِ وَعدُهُ

فَكُن في اصطِناعي مُحسِنًا كَمُجَرِّبٍ "
" يَبِن لَكَ تَقريبُ الجَوادِ وَشَدُّهُ

إِذا كُنتَ في شَكٍّ مِنَ السَيفِ فَابلُهُ "
" فَإِمّا تُنَفّيهِ وَإِمّا

تُعِدُّهُ
وَما الصارِمُ الهِندِيُّ إِلّا كَغَيرِهِ "

" إِذا لَم يُفارِقهُ النِجادُ وَغِمدُهُ
وَإِنَّكَ لَلمَشكورُ في كُلِّ حالَةٍ "

" وَلَو لَم يَكُن إِلّا البَشاشَةَ رِفدُهُ
فَكُلُّ نَوالٍ كانَ أَو هُوَ كائِنٌ "

" فَلَحظَةُ طَرفٍ مِنكَ عِندِيَ نِدُّهُ
وَإِنّي لَفي بَحرٍ مِنَ الخَيرِ أَصلُهُ "

" عَطاياكَ أَرجو مَدَّها وَهيَ مَدُّهُ
وَما رَغبَتي في عَسجَدٍ أَستَفيدُهُ "

" وَلَكِنَّها في مَفخَرٍ أَستَجِدُّهُ
يَجودُ بِهِ مَن يَفضَحُ الجودَ جودُهُ "

" وَيَحمَدُهُ مَن يَفضَحُ الحَمدَ حَمدُهُ
فَإِنَّكَ ما مَرَّ النُحوسُ بِكَوكَبٍ "

" وَقابَلتَهُ إِلّا وَوَجهُكَ سَعدُهُ
© 2024 - موقع الشعر