راعبية غصون بين الخنساء وبخوت المرية

للكتاب: عيده الجهني،


من روائع الشعر النسائي

(وحيدة السعودية) راعبية بين غصون الخنساء وبخوت

قاسم بن خلف الرويس

النساء شقائق الرجال فيهن المبدعات ومنهن الشاعرات المجيدات ولكن الشعر النسائي الشعبي بصفة خاصة في الفترة الاخيرة وفي ظل الانتشار الإعلامي بكافة وسائله المقروءة والمرئية والمسموعة اصبح هزيله يغلب جزيله وبتنا نلحظ ابراز اسماء كثير من المستشعرات في حين توارت الشاعرة الحقيقية وهناك شاعرة من شاعرات هذا الوطن الجميل لم تحظ من وسائل الإعلام بما حظي به غيرها من الاهتمام والابراز ممن هن اقل ابداعاً منها فهي تغرد خارج السرب بشعرها الجزيل وشاعريتها الاصيلة التي تذكرنا بشعر النساء الرائع من الخنساء وليلى الاخيلية الى بخوت وفتاة الوشم، هذه الشاعرة التي لم تكن ولن تكون يوماً فتاة لغلاف مجلة تتسول القارئ وتقتات على صور الجميلات، هذه الشاعرة هي الصورة المشرقة لبنات الوطن التي تعتز بدينها وتفتخر بعاداتها وتقاليدها فهي التي تقول:

يا سعد نضفي على الزين العبايه

ما حد يدري بما تحت العباه

اتمسك بالحجاب وفي حيايه

واتعفف عن طواريق السفاه

خير من حي مسوي له دعايه

يحسب ان الناس ذابت في بهاه

يحسب انه ماشي درب الهدايه

والغوي ما يدري انه في غواه

اطلقت شاعرتنا على نفسها لقباً لازمها واشتهرت به هو (وحيدة السعودية) حيث قالت:

بكت عيني وياقشر الدموعي

على حراً يرى نفسه رفيعه

ألا ياقل بين الناس نوعي

قليل اللي زمانه ما يطيعه

فلا طعته ولا جاني بطوعي

وغدت حرب مصايبها سريعه

وحيدة واكثر العالم ربوعي

نهيبة للهواجيس الفظيعة

زرعت وصرّم السافي زروعي

لفى صيفه قبل يلفي ربيعه

انا يمكن غريبة في طبوعي

او الدنيا لها هذي طبيعة

قنعت بكسرة تحتاج جوعي

وانا مثلي مكانه في الطليعة

والحقيقة انها وحيدة بشعرها المميز بين بنات جيلها ولاشك ان مكانها في الطليعة بين الشاعرات انها الشاعرة التي مزجت في ابداعها بين الشعبي والفصيح، وبين الوجدانيات والاجتماعيات، وتناولت من خلالها قصائدها مجموعة من الاهتمامات، مركزة على هموم المرأة السعودية عبر قصائد وطنية واجتماعية. انها الشاعرة (عيدة العروي) تلك المرأة المثقفة التي تنتمي الى قبيلة جهينة وهي من اسرة وثيقة الصلة بالادب فهي شقيقة لاثنين من الشعراء وهي تعتز بانتمائها وارتباطها بالبادية وتعتبر ذلك من مفاخرها اذ تقول:

انا يا ناشد عني بدوية

على روس التلاع ارعى حلالي

تحملت الصميل بمهمية

تقاصر دونها عزم الرجالي

تناديني تحسبها خزية

وانا اشوف البداوة رأس مالي

كتبت شاعرتنا الشعر في سن مبكر حيث نشرت اولى قصائدها في مجلة اليقظة الكويتية وهي في الخامسة من عمرها، ولكنها ذات مواهب متعددة فقط نظمت الشعر الفصيح واعتنت بالقصة القصيرة، واصلت كتاباتها في الصحف السعودية والخليجية وكانت لها زاوية (علوم النشاما) في جريدة عكاظ.

ومن المعروف ان الشاعرة (وحيدة السعودية) كانت قد تحصلت على عدد من الجوائز الشعرية على مستوى المملكة والخليج منها جائزة ابها الثقافية عام 1420ه ، كما حصلت على جائزة الابداع في مسابقة القصة القصيرة فيما منحت جوائز تكريمية من الشاعر محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس مجلس الوزراء بدولة الامارات العربية المتحدة لمشاركتها في مسابقة اللغز الخليجي الشعرية، ونشرت بعض انتاجها في مجلة الصدى الاماراتية وكتبت في نفس المجلة زاوية (من على الشداد) ولكنها توقفت، غنى لها مطربو الامارات الشعبيون عدة قصائد وشاركت في عدد من الامسيات الشعرية النسائية.

صدر ديوانها الاول عام 1419ه وقد تضمن حوالي 77قصيدة وجاء في 467صفحة غير الفهارس بطباعة راقية وغلاف جميل والذي تولى طبع ديوانها وقدم له واطلق عليه الاسم الذي انسحب عليها اخيراً (راعبية غصون) هو سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تشجيعاً للكلمة الشعرية الصادقة والمعبرة ومما قال سموه في مقدمة الديوان:

راعبية غصون

اشعارها رايقة

من كل فن ولون

معشوقة عاشقة

ان حالفتني الظنون

في المهرة السابقة

لابد يوم تكون

على العرب فايقة

وقد وصف اشعارها بالجودة وتوقع تفوقها الشعري وسبب اطلاق هذا الاسم للديوان قصيدتها (طارد القوم) التي من ابياتها:

انوح نوع الراعبية على غصن

وان ذعذع الغربي تزايد بكاها

غديت كني طارد القوم يا حسن

من دون سيف وقربته ما ملاها

واللي حداه لطردهم زايد الغبن

والغبن للعين البصيرة عماها

ويوم التفت لخلاف ثم تيامن

شاف ان نفسه دوجت في خلاها

عود كما عود المقفي على شن

ظميان لكن ضاع بالشن ماها

الشاعرة (وحيدة السعودية) اضافة الى جودة السبك وجزالة المفردة واصالتها والمعنى الوافي والخيال الواسع في قصائدها تتميز بالنفس الطويل فهي تنظم القصيدة ذات الخمسين والستين بل والمئة بيت دون ان يقل مستوى القصيدة او تهتز حبكتها وهذه الصفة تعبر عن قريحة متوقدة وموهبة غزيرة.

بعد هذا التعريف عن هذه الشاعرة الرائعة سنعرض لبعض من ابيات قصائدها من خلال ديوانها فهي القائلة:

لو عشت ما تملك يميني عصاتي

احسن من المنة وحب الخشومي

وهي القائلة:

برقعوني وانا حر هواه الهداد

واثلموا حد سيفي يوم سيفي شطير

وتقول:

واليوم ما تقصر عن الجود يمناي

حتى على شين الوجيه المصده

وماني اذا بي ميّل الوقت شكاي

شكواي للي تملك الرزق يده

وتقول في صورة رائعة:

كني بدو خالي ما به اوناس

عصفور بلله المطر عن مطيره

لتكمل بعد ذلك:

مثلي قليل ومثلك اجناس واجناس

مير ان قلبي مهتوي بك هجيره

لا ترحمه خله عسى قبضة الياس

تفني هواه وعقبها وش يضيره

وتقول ايضاً:

من باعنا بالرخص بعناه ببلاش

في سوق (واقف) ما تجيه النشامى

ومن حطني في حسبته فلس ما اسواش

والله ما احطه رفيع المقاما

اللي يجي في وزنة الحب غشاش

علي حبه يا جماعة حراما

عساه قاع ما يجي يمه الطاش

يمر فوقه ما يهل الغماما

ولها ايضاً:

واقلبي اللي غادي له تخافيق

واخاف من بين العلايق يفرا

اروح ما ادري وين من زايد الضيق

احترت مالي بالوطا مستقرا

وتفتحت بيبان قلب معاليق

قلب على كتمان سره مضرا

ومن ابياتها:

لي صاحب عيت عليه المقادير

وبه حاربتني حرب داحس وغبرا

ان قلت تقصر في لقاه المشاوير

طالت وانا رجلي بها عوق كسرا

تمشي قليل وتاقف الرجل وتحير

وان قلت هيا قدم ردت لدبرا

ومن ابياتها الاخرى:

يا عين وش يم الغرابيل حاديك

وش ذللك يا عين ما نتي ذليله

وش لك برجوى واحد ما يدانيك

وانتي لدسمان الشوارب سليله

واخيراً فما دعاني للكتابة عن هذه الشاعرة هو نهجها المتميز الذي تستحق عليه الثناء والتقدير ولا اجد غضاضة في القول بأنها تتفوق على كثير من شعراء الساحة الشعبية ودعك من الشاعرات اللاتي تعطيهن دروسا في الاعتزاز بدينهن وتقاليد اهلهن وتقول:

ومرودن لي حايك البدو حاويه

حلفت ما اغيرك يا ثوب يا ثوب

لو غيروك البيض تتبع مشاهيه

احفظك لو اني على الامر مغلوب

© 2024 - موقع الشعر