امير الشعراء القادم هو...قاسم الشمري واللبيب بالاشارة يفقهو

للكتاب: عبير البوح،


افي مقاله الذي نشر في صحيفة الاتحاد الإماراتية الأسبوع الماضي كتب الدكتور صلاح فضل قراءة لقصيدة (وجه الماء ) للشاعر العراقي قاسم الشمري ، امتدح فيها الدكتور القصيدة وشاعرها بشكل ملفت مما اعتبره بعض الشعراء محاولة لتلميع الشاعر قبل مشاركته في المسابقة ، وهو امر فات على الدكتور صلاح فضل الذي يعتبر أحد أهم أعضاء لجنة تحكيم المسابقة . وتاليا المقال


د. صلاح فضل

النموذج الأول الذي أريد عرضه على القراء من قصائد الشباب الذين تقدموا لمسابقة أمير الشعراء هذه الدورة هو قصيدة بعنوان “وجه الماء” للشاعر العراقي قاسم الشمري. وأول ما نلاحظه هو هذا التركيب الجديد المدهش للعنوان “وجه الماء” الذي سرعان ما يلتحم بمطلع القصيدة ليشكل صورة طريفة لهذه الشخصية، يقول:

أطلت كوجه الماء والجدب هاطلُ

فنامت جياع واستفاقت سنابلُ

أطلت وكان الظلم في الناس شامخا

مهيبا.. كبحر أنكرته السواحل

وأرض بملء الجور قامت رمالها

فللسوط حكم والقيود سواهل

هشيم تعالى غرسه في ربوعها

وإن شبّ حقل أمطرته الذوابل

يصور الشاعر مرحلة فائقة في وعيه بتاريخ الإنسانية، لعبت فيها هذه الشخصية الرمز دور البشير والعلامة المائزة بين الجدب والخصوبة، بين الظلم والعدل، بين الضياع والهدى، بين العمى والبصيرة. لكن التعبير لا يمكن أن ينتظم شعريا بهذه الثنائيات المتتالية المتعاطنة، فهو أولا يجعل الشطر سطرا منفردا حتى يخفف من حدة الإحساس البصري بالنظم التقليدي، ويعطي الفرصة لامتلاء العين بإيحاء الكلمات. ثم أنه ينثر ورود المتقابلات فى كل خطوة لتوليد أنساق من المفارقات الواضحة. فعناقيد الصور تتوالى لتغرس في النص أضواء المجاز في كل جملة دون أن تنفذ طاقة الشعر على إدهاشنا وتنمية حسنا اللغوي والجمالي وهي تقيم صرح الدلالة الكلية للنص، ثم يمضي الشاعر قائلا بعد ذلك:

ترعرع دين الله فى فيء مهدها

ففزّت بأجداث المروج الخمائل

وألقت قميصا للصفاء على الورى

لتشرق أحداق وهن أوافل

يراع إذا ما الجهل يغي بجهله

جمال إذا للقبح فارت مراجل

شفاه لأثداء السماء نواهل

وللحب غمر والقلوب نواهل

تجلى على هام الزمان انهمارها

فقامت جياع واستفاقت سنابل

هذا اللون من الشعر هو الذي تتجلى فيه عبقرية التراكيب العربية، بقوتها التعبيرية، وسلاستها في ابتكار التقابلات، وتوليد المفارقات. وهو الذي يستجيب لجماليات التوافق مع التراث الشعري، فإذا ذكرنا أن هذه القصيدة مهداة إلى السيدة خديجة أم المؤمنين أدركنا أن محور رمزها يتآلف تماما مع هذا النمط الفني من التعبير، فهو يستثير فى شخصيتها عظمة الأمومة وخطر الدور الأول في احتضان الرسالة الهداية ودعمها وهي تقطر من “أثداء السماء” على حد تعبيره.

وهنا نلاحظ خط الانسجام الحقيقي بين أنساق الدلالة وأنواع التعبير، بل بين التجربة وجسدها اللغوي، وكيانها الإيقاعي، فهي استثمار للوعي المحافظ وإنشاد لجلالته، وهي تبتكر مدخلها إليه باختيار السيدة خديجة التي لم تكن موضوعا للمدائح، فتختلف عن النبويات المعهودة مع أنها تصب في مجراها، لكنها تحفر بوسائلها المائزة مسار من المقاربة الطريفة لنفحة نبوية شريفة.

.........................

ن.م

© 2024 - موقع الشعر